كتاب "ابن عربي في "الفتح المكّي"  الانتقاص من القدر المحمّدي"

كتاب "ابن عربي في "الفتح المكّي"  الانتقاص من القدر المحمّدي"
2019-08-06
بقلم ايمن حلالشة
إسراء زيادنة

كتاب صدرا مؤخرا للمؤلف يحيى القيسي الروائي والباحث الاردني الذي اصدر عددا من الرويات "بعد الحياة بخطوة"، "الفردوس المحرّم" ، "أبناء السماء" و " باب الحيرة" إضافة إلى مجموعتين قصصيتين  "رغبات مشروخة" و " الولوج في الزمن الماء"، كما عمل في مجال الصحافة وترأس إدارة تحرير عدد من المجلات، و حاليا يشغل مدير للنشر في مؤسسة اونيكس للتواصل الفكري في بريطانيا. الكاتب القيسي منشغل منذ عشر سنوات في دراسة وتأمل التجربة الصوفية والروحية ومراجعة الفكر الديني، وبالتالي فنحن نتطلع الى ان يكون هذا الكتاب القيم باكورة اعماله في موضوع الفكر الديني.


يقدم لنا المؤلف يحيى القيسي في هذا الكتاب نتاج مراجعته الطويلة ودراستة لأعمال احد اعلام المتصوفة الشيخ محيي الدين ابن عربي، معتمدا مادته الرئيسية على عمل ابن عربي الكبير أي كتاب "الفتوحات المكيّة" إضافة إلى كتب اخرى مثل "التجليّات"، "فصوص الحكم"، "الرسائل" ليقدم لنا خصوصا نحن غير المتخصصين في هذا الموضوع دراسة متكاملة وواضحة عن اعمال هذا الشيخ وما رافقها من قبول ورفض بكل حياد وموضوعية.

شخصيا فقد تلقيت اعلان صدور الكتاب بأهتمام كبير لعلي اجد الاجابات التي كنت ابحث عنها حول الفكر الصوفي، ويرجع ذلك اولا الى اعجابي الشديد في الشعر الصوفي بشكل عام وابن عربي بشكل خاص كأحد اعمدة الفكر الصوفي، حيث نلمس مدى العشق الالهي والمحمدي بكلمات غاية في الروعة والوصف، ناهيك عن صور التسامح الديني والانفتاح الفكري على الآخرين. و السبب الثاني فهو التفاف فرق فكرية متناقضة فكريا (فرق علمانية وفرق اسلامية) في الدفاع عن ابن عربي والفكر الصوفي والاشادة بها، ويتم تعليل ذلك في مقدرة ابن عربي في اعمال العقل (الجانب العلماني)، بينما يدافع الفريق الاسلامي عن ابن عربي بحجة عدم قدرة العامة على فهم مصطلحات ومقاصد الصوفية. مقابل ذلك نجد هولاء الفريقين يفيضون في الانتقاص والتقليل من فكر ابن تيمية مثلا او يدعمون فكر الحلاج كمتصوف وينتقصون من ابن حنبل مع ان كلاهما عذب وسجن (من امثلة المفكريين العلمانيين الدكتور يوسف زيدان ومن الاسلاميين ان صح التعبير الدكتور عدنان ابراهيم). 

بالعودة الى كتاب "الانتقاص من القدر المحمدي" فقد تألف الكتاب من ثلاث مائة وخمسين صفحة من الحجم الكبير. جاءت المقدمة حول الأسباب التي دعت الكاتب الى تأليف الكتاب وبيان القواعد الأساسية التي اتبعها في مراجعة آراء ابن عربي وهي القرآن الكريم وعصمة النبي عليه الصلاة والسلام حيث يرى الكاتب "ان القرآن الكريم نص إلهي مقدس بينما تفسيرة بشري يحتمل الخطأ والصواب، والمعيار الثاني أن الأحاديث المنسوبة الى النبي الكريم التي وصلتنا في الصحاح وغيرها قد يكون تعرضت الى التحريف والتزييف والاضافة والحذف او السهو، وبالتالي فإنّ كلّ حديث يتعارض مع القرآن الكريم لا يمكن القبول به وأن الطعن في العصمة النبوية مرفوض أيضاً.

في الفصل الاول تناول المؤلف سيرة الشيخ وتلامذته وكتبه وشيوخه إضافة إلى ملاحظاته على هذه السيرة. أما الفصل الثاني فقد ناقش الكاتب موضوع الحقيقة المحمدية بين الطعن والتقديس. وتناول الفصل الثالث الأخطاء والخطايا التي أوردها ابن العربي بحقّ النبي، وناقش الفصل الرابع موضوع مقارنة ابن عربي نفسه بالنبي، أخيرا جاء  الفصل الخامس والأخير ليناقش مسألة الوقوع في فخ  "الفاضل والمفضول". وينتهي الكتاب بخاتمة وقائمة المراجع والمصادر وتعريف بالمؤلف.

بعد الانتهاء من قرأة الكتاب نجد أن المؤلف استطاع بكل جدارة من تقديم مادة سلسة ومبسطة لإنتاج فكري كبير وبالتالي أتاح للقراء على اختلاف مستوياتهم التعرف على أبرز أفكار  ابن عربي بكل حياد وموضعية فلم يسقط المؤلف في فخّ التهليل والتقديس أو حتى التكفير للشيخ كما فعل الأخرون بل أبقى على لغة الاحترام والتقدير لفكر الشيخ حين صرح المؤلف أن هدف الكتاب ليس النقد وتتبع الهفوات للشيخ ابن عربي بل جاءت كمحاولة للفهم والتأمل.

أهم النقاط التي سيجدها القارىء:

  1. عاش ابن العربي متنقلا ما بين مسقط رأسه في الاندلس ثم المغرب العربي فمصر، مكة والمدينة المنورة الى ان استقر في دمشق حيث مات.
  2. كانت حياة الشيخ مستقرة وعلاقاتة مع الحكام والقضاة سلسة في فترة زمنية غير مستقرة على الرغم من ثورية أفكار الشيخ في ذلك الزمن.
  3. احتاج ابن عربي الى 30 عاما لانجاز كتابة الضخم "الفتوحات المكية" وأربع سنوات أخرى لمراجعته  والذي جاء بـ10542 صفحة واحتوى على 7161 بيت شعر.
  4. التناقض في افكار وطروحات ابن عربي حيث يبدأ بوصف النبي عليه الصلاة والسلام بأن الحق ظاهره، وداخلة الحق وما الى هنالك من التبجيل والمديح الذي يكنة للنبي عليه الصلاة والسلام الا انه يذكر ويكرر اساءات كثيرة للذات المحمديه، ويرجع ذلك الى قبول الشيخ لجميع الأحاديث المنسوبة للنبي على علاتها دون عرضها على القرآن الكريم والعصمة النبوية، من هذة الاساءات وجود شيطان يسيطر على النبي ويأمره على عكس الشيخ نفسه، وأن النبي محمد يتبدل قلبه في الإيمان، ويشتم ويلعن، ويرغو كما البعير حينما ينزل عليه الوحي، وأن نبي الله إبراهيم أفضل منه، وموسى أكثر رأفة ورحمة بقومه (اي قوم النبي محمد) منه، وأنّ بعض الصحابة يسبقونه إلى الجنّة وأعلى في المراتب عند الله منه، وأنّه خالف ربّه وصلى على منافق، وأن الله أمره بقتال الناس، وأنه يحبّ النساء متبعاً شهواته.. وغير ذلك الكثير.
  5. مقارنة ابن عربي معجزات النبي بما جرى معه شخصياً ولا تكاد توجد معجزة أو خصوصية للنبي إلا وهي موجودة عند الشيخ نفسه فقد ادعى الشيخ معايشته نفسه لحدث الاسراء والمعراج ، تسبيح الحصى في كفه، وقدرته على الرؤية من خلف ظهره، وطيرانه في الهواء، ومخاطبته من قبل الله.. الخ.
  6. يوضح الكتاب قضية قاعدة "الفاضل والمفضول" التي آمن بها الشيخ والتي تشير إلى أنّ الفاضل أي النبي قد يكون هناك من هو أعلى منه من المفضولين أي بعض صحابته مثل ابو بكر و عمر بن الخطاب حيث بين الشيخ ان الله تعالي وافق عمر وخالف النبي في بعض المسائل مثل قضية أسرى بدر، وان عدد فضائل ابو بكر أكثر من فضائل النبي.
  7. يشير ابن عربي بالأدلة ان الرسول محمد شخص يمكن لة ان ينسى ويخطىء بينما هو شخصيا معصوم من الخطأ.
  8. عند قراءة الكتاب ونصوص ابن عربي المذكورة يجد القارىء ان لغة ابن عربي واضحة ولا تحتمل التأويل وبالتالي ليس هناك حاجة الى التخصص في المصطلحات الصوفية لفهم طروحات ابن عربي.

اخيرا استطيع القول ان الكاتب نجح في تحقيق الهدف من دون تحيز وبشكل مبسط يمكّن القارىء غير المتخصص في فهم طبيعة هذا الانتاج الفكري الكبير من دون الحاجة الى التفرغ لدراسته. اما على المستوى الشخصي فأنني لن انفك عن اعجابي في اشعار العشق الالهي الصوفية، ولكن بنفس الوقت لا اتفق مع المدافعين عن الصوفية وبأنة لواعطيت الفرصة لكان حال امتنا افضل بدليل افتنان المستشرقين بالتخصص والكتابة حول اعمال ابن عربي او الحلاج، والذى ارى انه اهتمام لغاية في نفس يعقوب ليس الا. اما ما يتعلق بوقتنا الحاضر فأنني اتفق مع دعاة الحياد والقرأة الموضوعية الحره عند مناقشة تاريخنا وأن لا نكون متحيزين لا بالتكفير والانتقاص ولا بالتقديس لتحقيق هدف مخفي كما هو حال البعض عند مناقشة فكر ابن عربي وابن تيمية، فلسنا بحاجة الى خلق مزيد من الفرقة بين افراد الامة جميعها على اختلاف اديانها ومذاهبها الدينة والفكرية و الاكثر مأساوية ان اؤلئك العظام من امثال ابن عربي وابن تيمية اختلفوا من خلال اعمالهم الفكرية الا انهم بذلوا جهود جبارة في طرح ارئهم وما كانوا يعتقدون فيه من مصلحة للدولة ومصلحة لرعاياها، بينما نحن نختلف نتيجة خلفيّاتنا الفكرية وبدون تقديم الحلول الموضوعية بحيث تنقلنا من الواقع المر الذي نعيشه وتؤسس الى مجتمع مدني ومتقدم.  

 


 


 

تعليقات القراء

تعليقات القراء