هل نجح “كورونا” بتغيير الأنماط الاستهلاكية والإنفاق لدى العائلات؟

هل نجح “كورونا” بتغيير الأنماط الاستهلاكية والإنفاق لدى العائلات؟
2020-04-22
ن.ب

سما الاردن | بالرغم من صعوبة أزمة “كورونا” التي ألقت بظلالها على جميع الجوانب الحياتية، تحديدا مع مكوث العائلات بالبيوت ساعات طويلة، بسبب الحظر المنزلي الإجباري؛ إلا أنها كشفت عن تغير كبير وواضح في العادات الاستهلاكية ونمط التسوق وطريقته وأسلوبه لدى العديد من الأفراد.
تلك العادات التي فرضها الفيروس، تمثلت بالنظر للأولويات عند شراء الحاجيات والمستلزمات المنزلية، تحديدا ما يخص المونة اليومية؛ إذ لم يعد هناك متسع لكماليات كانت تأخذ حيزا كبيرا من الثقافة الاستهلاكية للأفراد ما قبل “كورونا”.
ومع مستقبل غير واضح المعالم، وانخفاض مستوى الدخل في الوقت الحالي، وأثر ذلك على الجوانب الاقتصادية، تغير تفكير الأفراد بشكل واضح، ربما رغبة بالتوفير والتعود على أنماط جديدة، مع أزمة غير معروف متى ستنتهي، بات الأغلب يفكر بتغييرات جذرية بأسلوب الحياة.
ولم يغب عن بال الآباء أيضاً، تغيير العادات الاستهلاكية لدى الأبناء، والابتعاد عن نمط كان يعتمد بشكل كبير على الوجبات السريعة، واستبدال ذلك بوجبات بيتية تشكل توفيرا أفضل عما كان الوضع عليه سابقا.
وفي ذلك، يذهب الاختصاصي النفسي الدكتور يوسف مسلم الى أن التجارب الحياتية المختلفة بشكل أو بآخر تترك أثرا على الناس، مبينا أن بعضها قد يترك أثرا محليا، وفيما بعد يزول هذا الأثر مع روتين الحياة، والسبب أن التجربة التي مر بها الشخص ليست من القوة، بحيث تحدث تغييرا نفسيا لديه وفي قناعاته وآرائه ومعتقداته ومنظوره وتوجهاته.
ويضيف “إلا أن بعض هذه التجارب تحدث التغيير”، مبينا أن أهم عناصر التجارب التي تحدث التغيير هي الأزمات المفاجئة بطريقتها، مثل الجائحة الحالية، فهي جديدة بكل معاييرها، الى جانب أن الأزمة عندما تكون شديدة “شدة مادية” فهي ليست شيئا عابرا وانتهى، إنما تأخذ مدة زمنية.
ويبين “وقد تكون الأزمة جعلت الأشخاص يعودون الى التفكير في الأسس والأولويات، وأسئلة كثيرة أوقفت الأفراد للتصالح مع النفس”، لافتا الى أن هذه الأسئلة مهمة جدا، وتجعلنا نعود من جديد للتفكير في أساسيات الحياة.
وهذه الأسئلة جعلت الناس يعودون لتقييم الحياة من جديد، وفق مسلم، بعد أن أنهوا مرحلة الصدمة والإنكار في بداية الأزمة، بعدها يأتي عنصر العجز، فكلما شعر الشخص أن إمكانياته ضعيفة تغير، لافتا الى أن “هذه الأزمة تتوفر فيها كل هذه العناصر، ما يجعلنا نقوم بإعادة تقييم لكثير من الأشياء أهمها المصاريف المادية، ما جعل كثيرا من الناس يلتفتون الى أنهم قادرون على العيش بمبلغ أقل بكثير من السابق”.
ويتابع “وهو ما يجعل الشخص يأخذ احتياطاته بالمبلغ الذي ينفقه على الثانويات والكماليات، بالإضافة الى تحمل المسؤولية تجاه المردود المادي، كذلك أن الإنسان أصبح لديه وعي بسلوك الادخار، فإذا تكررت أي تجربة من هذا النوع، فإن الجميع بحاجة الى ادخار مادي لتلبية الحاجات الأساسية.
ويشير الى أنه بعد هذه التجربة، سيختلف أسلوب العائلات في التسوق، وسيبحثون عن طرق التوفير في الوقت ذاته، ما سيجعلهم يفكرون جيدا قبل شراء أي سلعة، كذلك الإحساس بالأمان مهم جدا لدى الأشخاص، مبينا أن أي شخص قد يشعر بأنه يفقد الأمان تجاه الشيء سيصبح عنده تعويض زائد، وسيصب في زيادة سلوك الادخار أكثر.
ويضيف “حتى على مستوى القروض، فسيغير الأفراد طريقة تفكيرهم تجاهها”، مبينا أن هذه الأزمة ستنقل الناس نقلة نوعية، لافتاً الى “أننا أمام تجربة قوية صادمة جديدة من نوعها، جعلتنا نعيد التقييم التفصيلي بكثير من الأشياء، ونفكر أن المورد المادي مهم جدا، ونتحمل مسؤوليته ونفكر بسلوك الادخار، وكل تلك العوامل ستتغير بالسلوك الاستهلاكي”.
وفي ذلك، يذهب الاختصاصي الاقتصادي الاجتماعي حسام عايش إلى أن الحجر غير في كثير من العادات، حتى منطق التفكير تجاه الإنفاق، وما يزال يغير، وأيضا أثر على النمط الغذائي للأسر التي باتت تركز على الأساسيات والأولويات، وعلى التغير في استهلاك الأطعمة السريعة التي كانت تستخدم كثيرا قبل الأزمة.
ويضيف “كما أن الأزمة أوجدت شيئا يسمى تقييم الأولويات، فيما يتعلق بالإنفاق والحاجات، خصوصا وأن الفعاليات التي فتحت أبوابها مثل البقالات، ومحال المواد الأولية، أدت الى توجيه الناس نحو هذه المواد الأساسية، وبالتالي الاضطرار للقبول بالعمل وفق ما يجده المواطن من مواد أساسية، والآن أصبح الهدف حول معرفة الحصول على هذه المواد التي بات الحصول عليها يتم وفق تعليمات، كالوقوف بالدور، والوصول إليها مشيا على الأقدام”.
ويتابع عايش “حتى الأطفال والشباب بدؤوا الاعتياد على نوعية الغذاء التي باتت متوفرة في المنازل، مقارنة مع الأطعمة السريعة التي انتشرت، وكان من السهل الحصول عليها في وقت سابق”.
ويشير الى أن النمط الغذائي يتغير وكذلك العادات، وبالرغم من وجود التباعد الاجتماعي، الا أن هناك تقاربا من نوع آخر، فالكل حريص على الآخر، والجميع يحاول تكريس العادات الصحية الجيدة، لافتا الى أن النمط الغذائي يتغير ونوعية الغذاء تتحسن، وحياة الناس أصبحت تذهب للطبيعة أكثر.
ويعتبر عايش أن لذلك أثرا على أولويات الإنفاق والاستهلاك، ما غير من طريقة إدارتنا للإنفاق اليومي لأسباب تتعلق بحالة عدم اليقين السائدة، والخوف من أن تطول هذه المحنة، ما أعاد تنظيم أولويات الإنفاق لدى الاسرة، معللا “ولأن الأسرة ربما تجتمع للمرة الأولى بهذه الطريقة، وهذه المدة، فإن ذلك أدى الى التركيز على الأولويات التي أصبحت من الضرورات الأساسية لإطالة مدى إنفاق الدخل على فترة زمنية أطول، خصوصا وأن معظم الناس يعتمدون على الراتب الذي أصبح غير مستقر في الوقت الحالي”.
ويضيف “وجميع هذه السلوكيات أدت الى التركيز على الأساسيات نفسها، وهو ما أثر على نمط الاستهلاك والتخطيط وكيفية إنفاق الدخل بشكل يؤدي الى فائدة أكبر”، مبينا أن كل تلك الإجراءات ستنعكس إيجابا على الحياة والاستهلاك، وهو ما سيجعل الناس أكثر قدرة على الادخار والتوفير فيما بعد.

تعليقات القراء

تعليقات القراء