سهير جرادات تكتب: صاحب الأنف الطويل

سهير جرادات تكتب: صاحب الأنف الطويل
2020-08-29
سهير جرادات
ن.ب

سما الاردن | بعد الجائحة ، لم يعد مصطلح" صاحب الأنف الطويل" يقتصر على تلك الرواية ، التي تم تحويلها إلى أفلام كرتونية وسينمائية ، بل أصبح مصطلحا يخطر على ذهن المواطن، كلما سمع تصريحات حكومتنا الرشيدة ، أو مجرد لمح طيف بعض الوزراء.

"صاحب الأنف الطويل" شخصية خيالية ، ابتدعها كاتب إيطالي قبل أكثر من قرن لكشف كذب البشر، وهي لعبة خشبية تعرف باسم "بينوكيو" ، صاحب الأنف الذي يطول عند الكذب ، وترجمت القصة الى معظم لغات العالم، وعرفت النسخة العربية منها باسم "ماجد " ، الشهير بأغنيته " أنا اسمي ماجد .. دائما متواجد".

في زمن الكورونا ، ومع ازدياد التخبط في التصريحات الحكومية ، وتضارب القرارات ، وازدياد أخطاء حكومتنا الرشيدة ، ظهرت لدينا نسخة جديدة، ومعدلة من رواية " صاحب الأنف الطويل"، وامتازت هذه النسخة بإختلافها عن الرواية الاصلية بحيث ان أنف بعض الوزراء يطول كلما أفصح عن قرار حكومي متخبط ، وعرف باسم "النسخة الحكومية"..!!

وأكثر ما ميز هذه النسخة الحكومية تراخيها في إدارة ملف كورونا ، واعادتنا إلى المربع الأول في مواجهة الفيروس ، مع رفضها الاعتراف بخطئها ، وإصابة معظم طاقمها بالعصبية ، كونهم أصبحوا لا يتحملون كلمة ، وروحهم في مناخيرهم، وأجوبتهم على رأس لسانهم ، وكل ذلك انعكاس لحالة فوضى التصريحات التي يعيشونها.

انشغلت حكومة الأنف الطويل بتسجيل بطولاتها بين الأرقام العالمية في مواجهة الفيروس ، وغفلت أو " تغافلت" عن معابرنا الحدودية ، حيث من المعروف أن لدينا معابر حدودية مع العراق وسوريا والسعودية وفلسطين ، لكن تم إغلاق معبر حدود جابر فقط ، الذي يربطنا مع سوريا بعد زيادة الحالات العابرة من خلاله ، فيما لم نسمع لغاية الآن عن قرار يتعلق برفع درجة التأهب الصحي، أو إغلاق "معبر العمري " الذي يربطنا مع السعودية ، أو "معبر الكرامة " الذي يربط حدودنا مع العراق ، ولم يصدر أي قرار بخصوص جسر الملك حسين، وجسر الشيخ حسين ( معبر وادي الأردن ) ومعبر وادي عربة ، علما أن جميع الدول المذكورة،  ترتبط معنا بمنافذ حدودية برية ، وهي دول تسجل حالات إصابة عالية بفيروس كورونا ، وتربطنا معها بروتوكولات اقتصادية (استيراد وتصدير بضائع)!!؟؟

تواجه حكومة الأنف الطويل مشكلة كبيرة في متابعة نمو أنفها عند حديثها عن قراراتها المرتقبة عن إعادة فتح المطار ، وتصنيفنا حسب دائرة الألوان، التي لا تتناسب ولا تعترف بها دول العالم ، وبالتالي حرمان أبناء الأردن ممن تقطعت بهم السبل في جميع دول العالم من العودة إلى وطنهم ، وذلك كله بسبب عدم جاهزيتنا طبيا لاستقبال حالات الحجر وحالات الإصابة .

وقد تكون أطول حالة سجلتها حكومتنا في قياس طول الأنف ، عند تصريح وزير ماليتنا بأن تكلفة فيروس كورونا على الاقتصاد الأردني هي عدد الإصابات ، "وما بقي تفاصيل"!!عن أي تفاصيل تتحدث معاليك ؟! .. تفاصيل خفض الرواتب أم وقف العلاوات أم إيقاف صرف دعم الخبز، أم الغرامات التي ترتبت على الدولة جراء الاغلاقات وحالة الجمود الاقتصادي الذي نشهده .

وكان الأكثر امتاعا ، ونحن نتابع تطور نمو أنف صاحب أشهر "غمزة حكومية " عند الإعلان عن السيناريوهات المحتملة لعودة الطلبة إلى المقاعد الدراسية ، والتخبط بين دوام كامل أم جزئي ؟! عن قرب أم عن بعد؟! المواد الأساسية في المدرسة وما تبقى في المنزل ! تدوير الدوام بين الطلبة .."يومان علي وثلاثة عليك" !!..

  هذا عدا عن المصطلحات التي تفردت بها هذه النسخة ، " نشف ومات " .." باك تو باك " .." المنصات " .." المصفوفات " .. " الشماغ بديل الكمامة " .." صبحي" .." سائق الخناصري" .. "عرس اربد" .. "عرس ماركا" .. " حط كمامتك كويس " ..والبروتوكول التعليمي " .. " عن بعد ".. " التعليم الهجين " والقائمة تطول ...

أما الطول الأكثر جدلا ، فهو الذي سجله الوزير" جورج كلوني " عندما تحدث عن " عرس ماركا"، وما سببه من إصابات ، وأظهر جديته في القاء القبض على كل من يخالف التعليمات، في الوقت الذي تجاهل فيه الحديث عن "عرس ابن زميله " الذي كان برعاية وحضور جميع أعضاء الحكومة الرشيدة، الذين اصروا على التقارب الاجتماعي والجسدي ، ومشاركة زميلهم المسؤول عن القانون والعدالة ، فيما لم تتم مساءلة صاحب المطعم رغم أنه معروف ، وذلك كونه زميلا سابقا لهم في الوزارة.  

على كل الأحوال ، لم تعد حكومة النهضة واعضاؤها مصدر اهتمام للموطن، الذي يعد كادرها بالنسبة له خارج التغطية ، لذا شطبهم من قائمة الاتصال ، ووضعوهم في وضعية " لا يمكن الاتصال بهم"، حتى يعترفوا بتحملهم للمسؤولية دون تقاسمها مع المواطن .

صحيح ، نسيت أن أخبركم أن "بينوكيو" صاحب الأنف الطويل ، ولكثرة الأكاذيب استمر أنفه في النمو لدرجة أنه لم يعد يستطيع الخروج من باب الغرفة ، فشعر في نهاية الرواية بالخجل من نفسه واعتذر، ووعد بأن يتوقف عن الكذب .. ونحن بانتظارأن تأخذ حكومتنا التصدي للوباء على محمل الجد ، قبل أن تتهم المواطن بالتراخي ، وعليها أن تعترف بخطئها وتراخيها ، واعتذارها قبل أن ترحل ، وحتى تتمكن من الخروج  عبر باب مبنى رئاسة الوزراء !!؟

تعليقات القراء

تعليقات القراء