حكم صيام يوم الجمعة

حكم صيام يوم الجمعة
2019-03-07
حنين العبداللات

سما الاردن |  وجد عند بعض أهل زماننا من يخص شهر رجب بالصيام من دون سائر الشهور، ويُكثرون من الصيام فيه ما لا يصنعونه في سائر الشهور، وقد كُلّفت ببحث هذه المسألة من قبل إدارة مركز البحوث التابع لجامعة الإيمان -حرسها الله تعالى- وسأبدأ كلامي عن هذه المسألة بذكر مقدمة تتمثل في مسميات شهر رجب عند العرب، ثم سأذكر بعدها حكم إفراد شهر رجب بالصيام عند الفقهاء، وحكم صيامه عند المحدثين، والأحاديث الواردة في الترغيب في صيامه، مع الحكم على هذه الأحاديث. فأقول مستعيناً بالله تعالى، وهو حسبي ونِعم الوكيل:

أسماء شهر رجب:

نقل في مواهب الجليل عن ابن حجر أن له ستة عشر اسماً منها: رجب، ورجم، والأصب، والشهر الحرام، والمقيم، والمعلى، ومنصل الأسنة، ومنصل الآل، ومنـزع الأسنة، وشهر العتيرة، والمبدي، والمعشعش، وشهر الله.(1)

وسُمِّي برجب؛ لأنه كان يُرجَب في الجاهلية، أي: يُعظم، أو لترك القتال فيه، يقال: أقطع الرواجب والأصب؛ لأنه لا تُسمع فيه قعقعة السلاح.

وسُمِّي بالأصب -بموحدة- لأنهم كانوا يقولون: إن الرحمة تصب فيه.

وسُمِّي برجم -بالجيم- لأن الشياطين ترجم فيه.

وسُمِّي بالشهر الحرام؛ لأن حرمته قديمة.

وسُمِّي بالمقيم؛ لأن حرمته ثابتة.

وسُمِّي بالمعلى؛ لأنه رفيع عندهم.

وسُمِّي منصل الأسنة، ومنصل الآل: أي الحِراب.

وسُمِّي بشهر العتيرة؛ لأنهم كانوا يذبحونها فيه.

حكم صيام رجب عند الفقهاء:

نص الفقهاء على كراهة إفراد رجب كاملاً بالصيام. قال ابن قدامة الحنبلي: "ويكره إفراد رجب بالصوم".

وقال أحمد: "وإن صامه رجل أفطر فيه يوماً أو أياماً بقدر ما لا يصومه كله"، وقال أيضاً: "من كان يصوم السنة صامه، وإلا فلا يصومه متوالياً، يفطر فيه، ولا يشبهه برمضان".

وقال في روضة الطالبين من كتب الشافعية: "وأفضلها المحرم، ويلي المحرم في الفضيلة شعبان، وقال صاحب البحر: رجب أفضل من المحرم. وليس كما قال"، فقد دل على أن رجب من الشهور المفضل صيامها.

وقال في كفاية الطالب من كتب المالكية: "وكذلك صوم شهر رجب رُغِّب فيه".

وقد نقل البيهقي عن الشافعي قوله في القديم: "أكره أن يتخذ الرجل صوم شهر يكمله من بين الشهور، كما يكمل رمضان، وكذلك أكره أن يتخذ الرجل يوماً من بين الأيام، وإنما كرهت ذلك؛ لئلا يتأسى جاهل، فيظن أن ذلك واجب".

ونقل الرعيني عن أبي بكر الطرطوشي في كتاب الحوادث والبدع قوله: "يكره صوم رجب. وهي على ثلاثة أوجه: أحدها: أنه إذا خصه المسلمون بالصوم في كل عام حسب العوام، أنه فرض كشهر رمضان. وإما سنة ثابتة كالسنن الثابتة، وإما لأن الصوم فيه مخصوص بفضل ثواب على ثواب باقي الشهور، ولو كان من هذا شيء لبينه صلى الله عليه وسلم. قال ابن دحية: الصيام عمل بر لا لفضل صوم رجب، وقد كان عمر ينهى عن صيامه".

وقد سئل الشيخ عز الدين بن عبد السلام، فيما نُقل بعض المحدثين عن منع صوم رجب لتعظيم حرمته، وهل يصح نذر صوم يوم جمعة أم لا؟ فأجاب: "نذر صوم رجب لازم، لأنه يتقرب إلى الله بمثله، والذي نهى عن صومه جاهل بمأخذ أحكام الشريعة، وكيف يكون منهياً عنه مع أن العلماء الذين دونوا الشريعة لم يذكر أحد منهم اندراجه فيما يكره صومه، بل يكون صومه قربة إلى الله تعالى؛ لما جاء في الأحاديث الصحيحة من الترغيب في الصوم، على العموم، ومن عظم رجباً بغير الجهة التي كان أهل الجاهلية يعظمونه لها، فليس بمقتد بالجاهلية، وليس كل ما فعلته الجاهلية منهياً عن ملابسته، إلا إذا نهت الشريعة عنه، ودلت القواعد على تركه، ولا يُترك الحق لكون أهل الباطل فعلوه".

حكم صيام رجب عند المحدثين:

نقل الحطاب الرعيني عن ابن حجر قوله: "م يرد في فضله، ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة، وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام الهروي الحافظ. ثم قال: ولكن اشتهر أن أهل العلم يتسامحون في إيراد الأحاديث في الفضائل، وإن كان فيها ضعيف، ما لم تكن موضوعة، وينبغي مع ذلك اشتراط أن يعتقد العامل كون ذلك الحديث ضعيفاً، وأن لا يشهر ذلك؛ لئلا يعمل المرء بحديث، فيشرع ما ليس بشرع، أو يراه بعض الجهال فيظن أنه سنة صحيحة، وقد صرح بمعنى ذلك الأستاذ أبو محمد ابن عبد السلام وغيره، وليحذر المرء من دخوله تحت قوله صلى الله عليه وسلم: «من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين»(11) فكيف بمن عمل به، ولا فرق في العمل بالحديث في الأحكام أو في الفضائل، إذ الكل شرع".

وقال الدميري: "سئل الحافظ أبو عمرو بن الصلاح عن صوم رجب هل على صائمه إثم أم له أجر؟ وفي حديث يرويه ابن دحية أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن جهنم تسعر من الحول إلى الحول لصوام رجب» هل يصح ذلك؟ فأجاب: لا إثم عليه في ذلك، ولم يؤثمه بذلك أحد من علماء الأمة فيما نعلمه، بل قال حفاظ الحديث: لم يثبت في صوم رجب حديث، أي فضل خاص، وهذا لا يوجِب زهداً في صومه؛ بما ورد من النصوص في فضل الصوم مطلقاً، والحديث الوارد في سنن أبي داود في صوم الأشهر الحرم كاف في الترغيب".

قال المؤتمن به أحمد الساجي الحافظ: "كان عبد الله الأنصاري لا يصوم رجب، وينهى عن ذلك يقول: ما صح في فضل رجب وفى صيامه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيء".

ونقل الرعيني عن ابن حجر قوله: "وإن صامه (أي رجب) معتقداً أن صيامه أو صيام شيء منه، أفضل من صيام غيره، ففي هذا نظر، ويقوي جانب المنع ما في الصحيح عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: «ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتحرى صيام يومٍ يفضله على غيره إلا يوم عاشوراء، وهذا الشهر، يعني رمضان»، أي ولم يذكر رجباً. وعن أزهر بن سعيد عن أمه، أنها كانت دخلت على عائشة، فذكرت لها أنها تصوم رجب. فقالت عائشة: صومي شعبان؛ فإن فيه الفضل، فقد ذُكر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أناس يصومون رجباً، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «وأين هم من صيام شعبان» رواه عبد الرزاق عن زيد بن أسلم، وقال بعده: قال زيد: "وكان أكثر صيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم بعد رمضان- شعبان، ويحتمل أن تحريه صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء بعينه، كان لغير هذا المعنى؛ لأنه صدر أن صومه كان مفترضاً قبل رمضان، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا فعل شيئاً من الطاعات واظب عليه".

وقال الطبري: "فلعل التوفيق بين صومه لرجب وكراهته لذلك، أن تحمل الكراهة على إفراد رجب بالصوم كما يفرد رمضان به، فأما صيامه في جملة ما يصوم فليس في ذلك... فكره من كره صومه أن يعظم في الإسلام بصومه تعظيمَ أهل الجاهلية إياه في الشرك، فأراد بإفطاره وضع منار الكفر، وهدم أعلام الشرك".

الأحاديث الصحيحة الواردة في صيام رجب:

وردت أحاديث صحيحة تدل على جواز أن يصوم المرء من رجب على العموم، منها:

1. عن عثمان بن حكيم الأنصاري -رضي الله عنه- قال: سألت سعيد بن جبير عن صوم رجب، ونحن يومئذ في رجب، فقال: سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم».

2. وعن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قال: قلت يا رسول الله! لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: «ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين؛ فأُحب أن يرفع عملي وأنا صائم».

ووجه الدلالة من هذا الحديث ما نقله الرعيني عن ابن حجر حيث قال: "فيه إشعار بأن في رجب مشابهة برمضان، وأن الناس يشتغلون فيه عن العبادة بما يشتغلون به في رمضان، ويغفلون عن نظير ذلك في شعبان، ولذلك كان يصومه، وفي تخصيصه ذلك بالصوم إشعار بفضل صيام رجب أن ذلك كان من المعلوم المقرر لديهم".

الخلاصة:

أن صيام رجب كله أو بعضه لا يخلو من حالتين:

إما أن يكون قد قصد به التعظيم، كما كان أهل الجاهلية يعظمونه، أو صامه -تخصيصاً له- معتقداً تفضيله على سائر الشهور، أو معتقداً صحة الأحاديث الواردة فيه، فهذا مما لا يجوز فعله؛ لئلا يظن جاهل أن ذلك واجب؛ فيشرع ما ليس بشرع. وعلى هذا يحمل كلام الشافعي في قوله القديم، وابن قدامة الحنبلي، وابن حجر، والطبري -رحمهم الله تعالى-.

والحالة الثانية: ألا يصومه على جهة التخصيص، وإنما يصومه لعموم الترغيب في الصيام أو لعادة تعوّدها، كصيام الإثنين والخميس... فليس في ذلك بأس، على ألا يعتقد صحة الأحاديث الواردة في فضل رجب. وعلى هذا يحمل كلام ابن عبد السلام، وابن الصلاح رحمهما الله تعالى.

والحمد لله رب العالمين، وهو الهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

تعليقات القراء

تعليقات القراء