القبول الموحد والأزمات المرتقبة

القبول الموحد والأزمات المرتقبة
2019-09-17
هناء سكرية

شروق جعفر طومار

مرة أخرى تصر الحكومة على القرارات الارتجالية والخروج من المآزق بحلول آنية وجزئية، تاركين تبعات تلك القرارات والأزمات المرتقبة للزمن، وعلى قاعدة الجدات “لوقتها بفرجها الله”.

قبل أيام قرر مجلس التعليم العالي مضاعفة أعداد الطلبة المقبولين على قوائم القبول الموحد إلى أكثر من 58 ألف طالب وطالبة، للخروج من مأزق النتائج غير المنطقية للتوجيهي وهذا العدد الهائل من المعدلات المرتفعة، ولم يتوقف أحد عند ما سيترتب على هذا القرار من تبعات كارثية ستضاعف مشكلات البلاد وتدخلها في سلسلة أزمات متتالية تضاف إلى أزماتها الحالية الكثيرة.

معظم جامعاتنا الحكومية اليوم تضم أعداداً من الطلبة تفوق طاقتها الاستيعابية، ناهيك عن افتقارها للبنى التحتية الملائمة والخدمات الفنية واللوجستية اللازمة، رغم أن الطلبة يدفعون رسوماً مقابل تلك الخدمات غير الموجودة، إضافة إلى نقص كوادر الهيئات التدريسية، وكل ذلك في ظل مديونية عالية تسبب بها وفاقمها الفشل الإداري والإنفاق الموسع على ما لا يلزم، والإصرار على النهج ذاته لأعوام طويلة.

مضاعفة أعداد المقبولين في الجامعات إلى هذا العدد وسيضاف إليه أيضا الطلبة المقبولون في البرنامجين الموازي والدولي والذين لم تقل نسبتهم في الأعوام الأخيرة عن 35 % من طلبة "الموحد" وزادت أحياناً على 50 %، بمعنى أن العدد قد يصل إلى 80 ألفا، سيدخل الجامعات في ورطة حقيقية، وسيؤدي إلى مزيد من التراجع في مخرجات التعليم الجامعي المتراجعة أصلا من ناحية الجودة المعرفية والفنية، لعدم مواكبة البرامج التدريسية لمتطلبات العصر وسوق العمل من ناحية التخصصات والخطط الدراسية والمراجع المعتمدة.

إضافة لذلك، ونتيجة للمعدلات المرتفعة والمتكررة بأعداد كبيرة فستواجه وحدة القبول مشكلة حقيقية في قبول الطلبة ذوي نفس المعدلات، وقد تدفع بها إلى زيادة عدد المقبولين في بعض التخصصات عن الحد المقرر، وبالذات في التخصصات محدودة المقاعد وذات الحدود الدنيا المرتفعة من حيث معدلات القبول، ويكفينا لتخيل ما سيحدث معرفة أن نحو 500 طالب جاءت معدلاتهم أعلى من 99 % وأكثر من 5 آلاف معدلاتهم أعلى من 95 %.

كل هذا يحدث، وللأسف، في الوقت الذي يدرك فيه الجميع بأن تعليمنا الجامعي ومنذ سنوات طويلة بات منفصلا عن متطلبات سوق العمل وبأنه صار واحدا من أسباب معضلات بطالة الشباب وتدني تأهيلهم، وبأن معظم التخصصات التي تدرسها جامعاتنا وتصر عليها هي راكدة أو مشبعة، وبأن 26 % على الأقل من حملة الشهادات الجامعية عاطلون عن العمل، ومن هنا كانت النداءات المتكررة بضرورة التحول إلى التعليم المهني والتقني.

لقد ضرب هذا القرار بعرض الحائط كل الخطط والاستراتيجيات القائمة والسابقة، والهادفة لإصلاح التعليم وتطويره وتجويده وربطه بمتطلبات سوق العمل، وخالف كل ما هو منطقي وله علاقة بالتفكير العلمي فيما يتعلق بأزمة البطالة الحادة والمتزايدة والتي ارتفعت معدلاتها إلى 19.2 % خلال الربع الثاني من هذا العام، وكانت من أبرز المشاكل التي انفجرت في الربع الأول منه.

هذه الطريقة الاعتباطية وغير المسؤولة لمحاولة التستر على فضيحة نتائج التوجيهي لهذا العام وأخطاء وزارة التربية والتعليم الفادحة، ستجر ويلات متتالية وستدخل البلاد في دوامة من الأزمات الحتمية.

يجب أن نكف عن هذا الارتجال في قراراتنا وأن ندير ملفاتنا بدرجة أعلى من المسؤولية والاتزان، وأن تعمل مؤسساتنا بشيء من التكامل، فالوطن لم يعد ينقصه مزيد من الخراب والتهاوي.

تعليقات القراء

تعليقات القراء