الفرح المزيف

كان العيد موسم فرح سنوي  لكل الناس، يمارسون فيه طقوسا تعبر عن الفرح، كان من اهمها التزاور بين الجيران والاقارب فرض عين احتراما للبيوت، كان رجال الحي
2018-08-21
فلاح القيسي

سما الأردن | كان العيد موسم فرح سنوي  لكل الناس، يمارسون فيه طقوسا تعبر عن الفرح، كان من اهمها التزاور بين الجيران والاقارب فرض عين احتراما للبيوت، كان رجال الحي (الحارة) يدخلون كل بيت ككومة ثلج متدحرجة تكبر كلما دخلوا بيتا انظم صاحبه لركب المهنئين وهكذا.

يجتمع القوم في نهاية الجولة في بيت كبيرهم (الشيخ) (المختار) مثلا، على مائدة واحدة، يمارسون في تجمعهم العابا ومنافسات في سباق الخيول، الرماية على راس ذبيحة الغداء، مساجلات في الشعر، قصيد على انغام الربابة ولكل بلد عادات احتفالية تعبر عن الفرح.

ومع تزايد اعباء  الرجال المالية وارتفاع كلفة الفرح وتردي الحال الاقتصادية للاسرة، اخذ الكبار يتخلون عن حصتهم من الفرح لأطفالهم، حتى لم تبقى لهم مساحة فرح صغيرة الا فرحا مصطنعا لا يدخل البهجة الى قلوب انهكها الجري خلف الرغيف وكماليات ارتقت لمنزلة الضرورة.

وحتى لايفسدوا على اطفالهم بهجة العيد وهم يتراكضون كفراشات ربيعية في كل الانحاء فرحين بملابسهم الجديدة ولعبهم العجيبة، يطلق الكبار عبارات الاعجاب والضحك المصطنع مجاملة للصغار حتى لا يكتشفوا  صراع الاباء والامهات مع طوفان ذكريات الماضي الجميل وهي تصر بعناد شرس الا ان تقحتم قلعة ذكريات الماضي رغم محاولة تحصينها، حتى لايفسد فرح الصغار.

وتبدأ رحلة قطار الذكريات الاجبارية بالمرور عبر شريط  الماضي الذي كان جميلا فقدناه رحلة التحسر عنوانها (يرحم ايام زمان) يرويها احدهم  معللا اسباب غياب الفرح عن دنيا الكبار؛ قائلا : اتذكرون يوم ان كانت ادوات الفرح في حياتنا رخيصة وبسيطة و في متناول الجميع كانت  لاتشكل هما لرب الاسرة كان  بكتفي بـ(بنطلون من "الباله") بعد ان اصبح باليا بنظر صاحبه الاول والقميص من ذات المصدر اما الحذاء فهو صندل بلاستيك او كندرة خلاعية من المستعمل كان مالكها الاول خلعها لذا هي (خلاعية ) المصدر، وصلتنا بقرار (افرنجي) متسرع يقضي باخراج هذه الملابس من الخدمة لانها اصبحت بالية او لوفاة صاحبها، قرار متسرع بعد ان كنا نرضى  لانها  قادرة على ان يصنع لنا  الفرح نحن ابناء شعوب العالم الثالث  هي عدتنا  لموسم الفرح السنوي ( يوم العيد).

ويواصل المتحدث القول بمرارة اتذكرون ايها الكبار حملة تسويق ادوات الفرح من الكبار حين كنا صغارا لترويجها (ماركتنج) لاقناعنا انها صناعات اصلية وهي الافضل حتى من الجديد المحل، وبأن ملابس البالة اصلية ومتينة، مستشدا هكذا قالت لي امي وشاركها ابي (رحمهما الله) انها افضل من الجديد لانهم في بلاد(الافرنج) لايلبسون الا الملابس والاحذية الاصلية وماعندهم (غش مثلنا) وهنا تدخل السياسة ونظرية المؤامرة (علاقة فشل العالم).

ليقول المتحدث بنبرة خطابية ثورية هجومية عليهم: من هم هو لا يدري اي عدو مفترض، نعم نجحوا في اقناعنا  (ان الافرنجي برنجي ) وان المستعمل (البالة ) هي افضل، حتى تولدت لدينا قناعة ابدية انهم افضل منا بكل شيء لانهم لا يعرفون (الغش) كبرنا وكبرت بداخلنا قناعات راسخة انهم الافضل بكل شيء ولا يعرفون الغش وكل مايصدر عنهم اصلي غير مزيف.

فكرة شيطانية نضيفها الى منظومة قناعاتنا، نرددها دون تفكير بخطورتها، لنتجاوز عن كل خطاياهم بحقنا  وتعزيز مقولة كل (افرنجي برنجي)، يصفق الجميع ويعودون الى واقعهم الجديد وفرحهم المصطنع، فهم عاجزون عن التغيير واعادة الفرح.

تعليقات القراء

تعليقات القراء