الحريات الإعلامية بين المسؤولية والمهنية

الحريات الإعلامية بين المسؤولية والمهنية
2019-06-22
منال كشت
M.B.Y

سما الاردن | لم ادَّعي يوما انني اعلامية أو صحفية، رغم ان الحظ ساعدني بالعمل في فضائية، وبتخصيص عامود اسبوعي في " الغد " الغرّاء ، ومع ذلك اعترف انني " اعدّ للعشرة" قبل كتابة اي مقال تحوي على موقف مني في صحيفة قدمت عددا مهما من  اعمدة الكتابة الصحفية في الأردن، واساتذة كبار في علم السياسة.

ما دفعني لهذه المقدمة وهذا الموضوع هو استسهال بناء الانطباع والرأي العام لدى بعض الصحفيين اليوم، واتخاذ المواقف بلا دراسة مستفيضة، او سماع كافة وجهات النظر، مما يسهم في التشكيك بمخرجات المادة الصحفية، واضعافها عند اول نفي لها، بدل من ان تكون حكما وسلطة رابعة.

اتفهم وجود مدرستين في هذا الباب؛ مدرسة تقوم على المواقف للمأدلجين من الصحفيين والاعلاميين، ومدرسة تقوم على التحليل والدراسة الحيادية، ولكن في الحالتين الأصل ان يكونا بناء على تراكم خبرات سياسية وعملية وحياتية، وقراءة مستفيضة لأمهات الكتب، وتحليل المواقف كافة، حتى يخرج الكاتب برأيه الموجه للجمهور لبناء رأي عام مؤيد له او فتح حوار مع المعارضين لوجهة النظر بالأدلة والبراهين.

هذا الأصل، فمالذي حدث اليوم؟

بتصفح بسيط لعدد من المقالات، اسأل نفسي أن من اين خرج الكاتب بهذه القناعات؟ وما هي مصادر معلوماته، والادهى من ذلك عندما نرى ما ينشره البعض على صفحاتهم الخاصة من مواقف انطباعية، أثرت في سمعتهم الصحفية والمهنية، فإن كان هذا موقفه المعلن، كيف لي ان اثق بما يكتب من مقالات؟

لا اخص احد بعينه، ولكني اتحدث عن عدد من الحالات التي تابعتها مؤخرا، اصابتني بالدهشة والذهول؛ بالمقابل، مازال الوسط الصحفي والاعلامي يزخر بالقامات الهامة، والتي تبني موقفها من بعد دراسات ومعلومات كاملة، وبحث في مختلف الاراء، ولكن الى متى سيصمد هؤلاء في زمن استسهال النشر و" اللايكات "، الى متى سيصمدون وهم يتعبون على مادتهم الصحفية لتحظى بمتابعة اقل من منشور لفتاة جميلة كتبت فيه" جاي ع بالي منسف "

هذا ما اخشى منه اليوم، وهو تراجع الافكار والاراء المدروسة لصالح الانفلات في وسائل التواصل الاجتماعي، فنظريتي الخاصة تعتقد ان وسائل الاعلام " الكلاسيكية " اليوم هي الاقدر على توجيه وسائل التواصل الاجتماعي، لا العكس كما يعمل بعض الساسة اليوم، والذين من الممكن ان يغيروا قرار كاملا نتيجة منشور على التواصل الاجتماعي، مما يعني التشكيك في عملية اتخاذ القرار اصلا ان كانت مدروسة ام عشوائية.

كلامي هذا ليس دعوة لتقييد الحريات، بل هو دعوة للمهنية في زمن جميعنا نحرص فيه على نقاء الصحافة من الشوائب، و للتدريب على بناء الرأي العام القائم على اختلاف الاراء نتيجة اختلاف الايدولوجيات والدراسات والنتائج، لا نتيجة من له متابعين اكثر، ودعوة لتصعيد بناة الراي العام الى الواجهة بدلا ممن يستسهلون توجيه الرأي العام بلا اي دراسة او تأني في النشر.

تعليقات القراء

تعليقات القراء