الاعتداء على الأطفال انتقاما من آبائهم أسلوب جرمي يستدعي الدراسة

الاعتداء على الأطفال انتقاما من آبائهم أسلوب جرمي يستدعي الدراسة
2020-12-14
ن.ب

سما الاردن | أثار وقوع اعتداءين وحشيين على حدثين بدافع الانتقام من والديهما خلال فترة زمنية قصيرة، تساؤلات لدى الرأي العام حول مدى ازدياد هذا النوع من الجرائم وتحوله ليصبح أكثر قسوة لناحية الايذاء الجسدي واختيار الضحايا من الأطفال للانتقام.
وكان الفتى بهاء (15 عاما) نجا من اعتداء وحشي داخل منزله تبين لاحقا أن الاعتداء كان بهدف الانتقام من والده، كما شهد تشرين الاول (اكتوبر) الماضي حادثة اعتداء اخرى على الفتى صالح من قبل مجموعة من الاشخاص فقأوا عينه وبتروا يديه انتقاما من والده الموقوف حاليا في احد مراكز الاصلاح والتأهيل بسبب “قتله خال عدد من الذين اشتركوا بالاعتداء على ابنه”.
وفي وقت أكد فيه خبراء أهمية الجانب القانوني لجهة تغليظ العقوبات في جرائم الانتقام والاعتداء على الأطفال، إلا أن آخرين أكدوا أن معالجة هذا النوع من السلوكات الغريبة على المجتمع يتطلب دراسات وتدخلات اجتماعية تضمن مكافحة الجريمة ضمن اجراءات وقائية واستباقية.
ودعا هؤلاء الى البحث في أبعاد ودوافع الجرائم المرتكبة، والضحايا المستهدفين من خلال دراسات اجتماعية معمقة وصولا الى معالجة الاختلالات ودافع الجريمة.
وكان التقرير الاحصائي لمديرية الامن العام بين أن الجرائم ارتفعت العام الماضي الى 17.5 % مقارنة مع العام 2018، كما ارتفعت جرائم القتل بنسبة 30 % خلال الفترة ذاتها، وهو ما يستدعي بحسب الخبراء دراسة هذه الأرقام وبتعمق.
الامين العام للمجلس الوطني لشؤون الاسرة الدكتور محمد مقدادي يقول: إن “الاردن بلد يتغير من حيث عدد السكان وتغير القيم والضوابط الاجتماعية التي نراها اليوم”.
ويتابع، “لا يجوز الاعتماد على ان القيم والضوابط الاجتماعية تحكم وتحد من الجريمة، فسيادة وتطبيق القانون مهم جدا في مسألة الردع وتحقيق العدالة. المجتمعات عندما تكبر لا بد ان تخضع للقوانين بشكل اكبر”.
ويؤكد انه “رغم أهمية تغليظ العقوبات إلا أن المطلوب تطبيق استراتيجيات طويلة الامد لمعالجة الجذور الاجتماعية والاقتصادية للجريمة”، مشيرا الى أن “مكافحة الجريمة تبدأ بالتربية السليمة، وتعزيز دور المدرسة في اعادة وترسيخ القيم الاجتماعية، ومحاربة الفقر والبطالة وتوفير الخدمات التأهيلية والنفسية، الى جانب برامج اعادة الدمج المجتمعي للجانحين وتأهيل الجناة من الاحداث والبالغين في مراحل الرعاية والاصلاح والتأهيل”.
وأكد مقدادي أن “محاربة الجريمة هي مسألة وقاية بالاساس أكثر مما هي معالجة او تدخلات قانونية”.
وتتفق المديرة التنفيذية لمجموعة القانون لحقوق الانسان المحامية ايفا ابو حلاوة مع مقدادي في الرأي، بقولها ان “الحد من الجرائم يكون على مستويين: وقائي وعلاجي”.
وتضيف، رغم أن “الجانب القانوني مهم في الناحيتين الوقائية والعلاجية لكنه ليس كافيا وحده لمواجهة الجريمة، فالمطلوب أن يكون هناك تدخلات اجتماعية نفسية سلوكية بطريقة مؤسسية لمواجهة الجريمة بحيث تستهدف هذه التدخلات الاشخاص الاكثر عرضة للانحراف كخطوة وقائية واستباقية اضافة الى وضع الخطط العلاجية”، منتقدة عدم وجود دراسات اجتماعية كافية حول هذه المسألة.
وفيما يخص جرائم الانتقام، تشير ابو حلاوة الى ان هذا النوع من الجرائم كان موجودا بشكل أو بآخر، لكن الملاحظ ان “هذه الجرائم آخذة بالازدياد، بل اصبحت اكثر بشاعة عدا عن استهدافها الاطفال وهو ما لم يكن مألوفا سابقا”، لافتة بهذا الخصوص الى الجريمتين الأخيرتين بحق صالح وبهاء.
وتلفت الى تشديد العقوبة في حال كانت الجريمة بهدف الانتقام او واقعة على طفل، باعتبار الانتقام سببا لتشديد العقوبة.
وتؤكد ابو حلاوة ان تغليظ العقوبات وحده غير كاف، فالمطلوب العمل بمنهج شمولي يضمن أولا وجود مركز بحثي للدراسات الاجتماعية، ومركز لحل النزاعات، الى جانب العمل على بيئة إصلاحية تفعل العقوبات غير السالبة للحرية للحد من انتشار وتكرار الجريمة، ووضع برامج اصلاحية داخل مراكز الاصلاح والتأهيل تشمل الجوانب النفسية والاجتماعية الى جانب الرعاية اللاحقة بعد الخروح من المراكز لجهة الدعم في اعادة الاندماج في المجتمع لاحقا.
ويبين استاذ علم النفس السريري في الجامعة الهاشمية الدكتور جلال ضمرة، أن هذا النوع من الجرائم موجود سابقا لكنه “لم يكن بهذا المستوى البشع”.
ويضيف، “أصبحنا نعرف عن هذه الجرائم بشكل اكثر بسبب انتشار وسائل التواصل”، لافتا في ذلك الى اثر مشاركة هذه الاخبار والفيديوهات في دفع وتشجيع بعض الاشخاص ممن لديهم سمات اضطراب في الشخصية المعادية للمجتمع وبالتالي تقليد وتكرار هذا النوع من الجرائم.
ويشير الى ان قرارات حظر النشر في هذا النوع من الجرائم قد يكون مفيدا لمواجهة عملية النمذجة التي تتم لدى بعضهم جراء متابعة هذه الاخبار.
ويوضح ضمرة أن “جرائم الايذاء والعنف بداعي الانتقام يرتكبها اشخاص يتصفون بشخصية مضادة للمجتمع وهم في الغالب ليس لديهم شعور اخلاقي او ضمير أو شفقة، وتغلب عليهم سمات التسرع، والمغامرة والانانية ومحركهم الرغبة في الانتقام”.
وحول التعامل مع هذا النوع من الشخصيات يؤكد أن هناك “حاجة لاتجاهات علاجية للاشخاص الذين لديهم هذه النزعة، وبالتالي فإن تطبيق القانون وحده أو تشديد العقوبات ليس كافيا، فالمطلوب ليس فقط حجز الحرية وإنما اعادة بناء شخصية شاملة من خلال العلاج النفسي والتأهيل”، متسائلا “هل في السجون برامج تأهيل واصلاح ام انها اماكن لاحتجاز الحرية فقط؟”.
ويقترح ضمرة إجراء دراسات على نزلاء دور الاصلاح بعد خروجهم ومتابعتهم بين حين وآخر للحكم على ما إذا “نجحت برامج مراكز الاصلاح في تأهيلهم أم أنهم تحولوا الى مكررين للإجرام”.

المصدر: الغد

تعليقات القراء

تعليقات القراء