إضاءة في واقع الحركة التعاونية الأردنية

إضاءة في واقع الحركة التعاونية الأردنية
2019-08-06
د. سالم فالح المعايطة
إسراء زيادنة

يخطىء من يعتقد بأن النظام التعاوني نظاماً وسطاً بين النظامين الرأسمالي والإشتراكي، بل هو نظام إقتصادي خاص يتميز تماماً عن كلا النظامين من الناحية النظرية، وهو نظام له فلسفته ومبادئه الخاصة به من ناحية تطبيقه، والأخذ به من الدول التي يسودها النظام الرأسمالي أو الدول التي تؤمن بالنظام الاشتراكي.

والمتتبع للحركة التعاونية الأردنية ومنذ تأسيس أول جمعية تعاونية للتوفير والتسليف في غور المزرعة عام 1953، يرى بأنها مرت بفترات من المد والجزر، حيث كانت لها إسهامات جيدة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الأردن سيما في فترات الثمانينات من القرن الماضي، لكن التوسع الأفقي والعمودي غير المدروس والذي رافق هذه الفترة أوقعها في أزمة في التسعينات من القرن الماضي، مردها إلى أسباب (تشريعية، إدارية، ومالية) على الترتيب، إلى أن إنتهى المطاف إلى تحويل المنظمة التعاونية الأردنية وهي منظمة شبه أهلية كانت تشرف على العمل التعاوني الأردني منذ عام (1968-1997) إلى المؤسسة التعاونية الأردنية كمؤسسة حكومية عام 1997، بحيث أصبحت الخلف القانوني للمنظمة التعاونية، واعتبرت بداية إنطلاقه جديدة للعمل التعاوني في الأردن، لكن الخبراء التعاونيين والتعاونيين في الأردن يرونها خلافاً لذلك، حيث اعتبروا أن ما جرى هو بمثابة جراحة قيصرية، سيما بعد أن أفرغت المؤسسة التعاونية من الخبرات التعاونية المتراكمة كجزء من الحل، وإعتمادها على الدعم المالي الحكومي في الوقت الذي يجب أن لا تحتاج الحركة التعاونية إلى أي دعم من أية جهة بل يجب عليها انتهاج سياسة الاعتماد على الذات.

وتراجعت الثقة في الحركة التعاونية من قبل الجهات العامة والخاصة، وفقدت الكثير من مقوماتها خاصةً بعد تصفية البنك التعاوني، وإحجام بعض البنوك ومصادر التمويل عن التعاقد مع الجمعيات التعاونية وتقديم التسهيلات المالية والمصرفية، وقصور التشريعات التعاونية في مواكبة العمل التعاوني بما يتلاءم مع متطلبات التحرر الاقتصادي، الأمر الذي يستوجب إعادة النظر في المفاهيم والقواعد السائدة التي تحكم وتنظم عمل التعاونيات بوصفها وحدات اقتصادية مستقلة، وذلك من خلال تغيير أسلوب عملها ومفاهيمها بما يساير التغيرات الحاصلة، بحيث لا يؤدي إلى إلغاء المبادىء والقيم التعاونية مثل: (مفهوم التعاونية، عضوية التعاونيات، إدارة التعاونيات، ومالية الجمعيات التعاونية).

وعند الحديث عن المشاكل التي تواجه العمل التعاوني نرى أنها كثيرة منها إدارية وتنظيمية، وأخرى مالية وتسويقية، وثالثة لوجستية أهمها عدم وجود لوبي تعاوني للدفاع عن التعاونيات في مراكز صنع القرار.

ومن خلال خبرتي الطويلة في العمل التعاوني الرسمي والأهلي، أرى أنه لا بد من إعادة هيكلة البنيان التعاوني في الأردن برمته، ولعل من أهم السيناريوهات أو الأشكال المناسبة المطروحة في ذلك هو الشكل (نصف المقيد)، والذي يتمثل بالعمل على تحرير التعاونيات من القيود المفروضة عليها من قبل القطاع الحكومي، ولكن ليس بالكامل كون العمل التعاوني بحاجة إلى مظلة رسمية لحمايته ودعمه والوقوف معه في ظل متطلبات السوق الحر ووجود قطاع خاص متنامي وقوي يمتلك آليات السوق ولديه الخبرة والدراية الكافية ويعمل على أسس ربحية، وبالتالي يقوم القطاع الحكومي بحماية القطاع التعاوني من المنافسة والاحتكار، وأيضاً يعمل على سن القوانين التعاونية وتعديلها بما يخدم مصلحة القطاع التعاوني ويدعمه ويوفر له الآمان.

والتعاونيون في الأردن يتطلعون إلى اليوم الذي يتم فيه استكمال الحلقة بإنشاء الاتحاد التعاوني العام المأمل إبرازه إلى حيز الوجود ليقوم بدوره بأعباء الحركة التعاونية من حيث التسجيل والتصفية والرقابة الإدارية والمالية والتفتيش على الجمعيات التعاونية التي أصبح عددها حتى الآن في الأردن بحدود (1517) جمعية تعاونية تضم بحدود (140) ألف عضو تعاوني، كذلك يقوم بنشاطات مالية واقتصادية واجتماعية تخدم التعاونيات، والاتحاد التعاوني المنشود هو المتحدث الرسمي باسم التعاونيات والمنفذ لسياساتها التي لا تتعارض مع القوانين والأنظمة والتعليمات الصادرة من قبل الحكومة.

وعليه فإن الهيكلة الجديدة تتطلب إعادة النظر في القوانين والتشريعات والأنظمة الناظمة للعمل التعاوني على أن يراعى تحديد العلاقة بدون تداخل والتباس بين كل الجهات ذات العلاقة من جهة وبين هذه الجهات والأجهزة والاتحادات المهنية وغير التعاونية في الدولة وتنسيق وظائفها كذلك مع الدولة، بالإضافة لذلك إيجاد نظام (تمويلي، تسويقي، وتأميني) لأنشطة الجمعيات التعاونية وتصويب أوضاع الجمعيات التعاونية التي تحتمل الثبات في هذه المرحلة، وتطوير عمل الجمعيات التعاونية وتحسين آدائها ورفع كفاءة العاملين في القطاع التعاوني للاستجابة بدرجة كبيرة لمتطلبات المرحلة الجديدة مع إيجاد علاقة متوازنة مع الجهات العامة والخاصة، وإيجاد نافذة مصرفية أو إعادة إنشاء بنك تعاوني للتعاونيات لحل مشكلة التمويل. 

 

تعليقات القراء

تعليقات القراء