وعد بلفور المشؤوم.. القصة الكاملة للمؤامرة التي غيرت التاريخ

وعد بلفور المشؤوم.. القصة الكاملة للمؤامرة التي غيرت التاريخ
2018-11-02
ن.ب

رغم مرور 101 عام على إصدار بريطانيا لوعد "بلفور" عام 1917، والذي منح اليهود الحق في إقامة دولة لهم على أرض فلسطين، ما زال الشعب الفلسطيني يتجرع تبعات هذا الوعد حتى الآن، وظلت الذاكرة الفلسطينية مسكونة بهذا الوعد المشؤوم.

كانت البداية عندما أرسل وزير الخارجية البريطاني، آرثر جيمس بلفور، إلى اللورد دي روتشيلد عام 1917 رسالة، أصبحت بمثابة بركان وضع المنطقة فوق صفيح ساخن، لتتصادم الأضداد وتندفع الحمم، وتكبر المأساة يوما بعد آخر متحولة من حقبة إلى أخرى، من دون أفق للسلام.

كما فتحت الطريق بقوة لتأسيس وطن قومي لليهود في الشرق الأوسط، لتحل أوروبا بجرة قلم في نص لا يزيد عن 117 كلمة، ما كان يسمى بالمسألة اليهودية، على حساب الشعب الفلسطيني.

وجاء نص الرسالة: «إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة مقام قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر».

صياغة وعد بلفور استغرقت 4 أشهر قبل الوصول إلى الصيغة النهائية، وذلك بعد مفاوضات استمرت ثلاث سنوات دارت بين الحكومة البريطانية من جهة، واليهود البريطانيين والمنظمة الصهيونية العالمية من جهة أخرى، واستطاع من خلالها الصهاينة إقناع بريطانيا بقدرتهم على تحقيق أهداف بريطانيا، والحفاظ على مصالحها في المنطقة.

وحرصت وزارة الخارجية البريطانية -في تلك المرحلة- على الاقتضاب في تصريحاتها، وتحاشي التفاصيل، والاعتماد على العبارات المطاطية.

وكان هذا الوعد، الخطوة البريطانية الأولى التي أسست لاستيلاء الحركة الصهيونية على فلسطين، وإقامة إسرائيل ضمن سياق ترتيبات استعمارية جيوسياسية في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى.

وبالرغم من مطالبة فلسطين بريطانيا بالاعتذار عن وعد بلفور، إلا أن الحكومة البريطانية لم تعتذر، حيث يقول مسؤولون بريطانيون، إن اعتذار بلادهم من شأنه أن يفتح أبواب جهنم على بريطانيا من قبرص إلى كشمير، وصولا إلى شعوب أخرى عانت جراء الاستعمار البريطاني، وذلك فإن أي اعتذار سيترتب عليه مسؤوليات ضخمة، لعل أقلها دفع التعويضات المالية.

تصريح بلفور أعطى وطنا لليهود وهم ليسوا سكان فلسطين، حيث لم يكن في فلسطين من اليهود عند صدور التصريح سوى 30 ألفا فقط من أصل عدد اليهود في العالم حينذاك، والذي كان يقدر بحوالي 12 مليونا، في حين كان عدد سكان فلسطين من أبنائها  في ذلك الوقت يناهز 650 ألفا من المواطنين الذين كانوا، ومنذ آلاف السنين يطورون حياتهم في بادية وريف ومدن هذه الأرض، ولكن الوعد المشؤوم تجاهلهم ولم يعترف لهم إلا ببعض الحقوق المدنية والدينية، متجاهلا حقوقهم السياسية والاقتصادية والإدارية.

في 11 ديسمبر/ كانون الأول 1917، أي بعد أسابيع فقط من الوعد، دخلت الجيوش البريطانية بقيادة «الجنرال ألنبي» القدس، الذي قال عبارته الشهيرة: «الآن انتهت الحروب الصليبية»، وفي مؤتمر فرساي يناير 1919 قدمت الحركة الصهيونية خطة تنفيذ مشروع استيطان فلسطين، ودعت إلى إقامة وصاية بريطانية لتنفيذ وعد بلفور، وأن تشمل حدود فلسطين ضواحي صيدا ومنابع الليطاني ونهر الأردن وحوران وشرق الأردن والعقبة وأجزاء من صحراء سيناء المصرية.

توافق أمريكي بريطاني

وكانت الحكومة البريطانية قد عرضت نص «وعد بلفور» على الرئيس الأمريكي ولسون، ووافق على محتواه قبل نشره، ووافقت عليه فرنسا وإيطاليا رسميا سنة 1918، ثم تبعها الرئيس الأمريكي ولسون رسميًا وعلنيا سنة 1919، وكذلك اليابان.

وفي 25 إبريل/ نيسان سنة 1920، وافق المجلس الأعلى لقوات الحلفاء في مؤتمر سان ريمو على أن يعهد إلى بريطانيا بالانتداب على فلسطين، وأن يوضع وعد بلفور موضع التنفيذ، حسب ما ورد في المادة الثانية من صك الانتداب، وفي 24 يوليو/ تموز عام 1922 وافق مجلس عصبة الأمم المتحدة على مشروع الانتداب الذي دخل حيز التنفيذ في 29  سبتمبر/ أيلول 1923، وبذلك يمكننا القول إن وعد بلفور كان وعدا غربيا وليس بريطانيا فحسب.

وفي العام 1918، صادق الرئيس الأمريكي ولسون رسميا على وعد بلفور، وقال: «أغتنم الفرصة لأعبر عن الارتياح الذي أحسست به نتيجة تقدم الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة والدول الحليفة منذ إعلان السيد بلفور باسم حكومته عن موافقتها على إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، ووعده بأن تبذل الحكومة البريطانية قصارى جهدها لتسهيل تحقيق ذلك الهدن في حين صدر إعلان الانتداب على فلسطين في مؤتمر «سان ريمو» في 31 مايو/ آيار 1920، وعُين البريطاني الصهيوني «هربرت صموئيل» مندوبًا ساميًا في القدس، وكان وزيرًا للداخلية البريطانية ومتعاطفًا مع الصهاينة.

وبعد ثلاثة أيام فقط من إعلان صك انتداب بريطانيا على فلسطين، كشفت بريطانيا عن مضمون وعد بلفور، واحتج الفلسطينيون وحدثت اشتباكات لأول مرة بين الحرس البريطاني وأصحاب الأرض من الفلسطينيين، وأصدرت بريطانيا أوامرها إلى الإدارة العسكرية البريطانية الحاكمة في فلسطين، أن تطيع أوامر اللجنة اليهودية التي وصلت إلى فلسطين في ذلك الوقت برئاسة حاييم وايزمن خليفة هرتزل، وكذلك عملت على تحويل قوافل المهاجرين اليهود القادمين من روسيا وأوروبا الشرقية إلى فلسطين، ووفرت الحماية والمساعدة اللازمتين لهم.

ولم يستسلم الشعب الفلسطيني للوعود والقرارات البريطانية والوقائع العملية التي بدأت تفرض على الأرض من قبل الحركة الصهيونية وعصاباتها المسلحة، بل خاض ثورات متلاحقة، كان أولها ثورة البراق عام 1929، ثم تلتها ثورة 1936.

تعليقات القراء

تعليقات القراء