فاجعة الميثانول… حين يصبح الفساد جريمة أكبر من السمّ !!

0
IMG-20240130-WA0051(15)

لم تكن فاجعة الميثانول التي أودت بحياة تسعة مواطنين وأصابت آخرين في الأردن مجرد حادثة تسمم جماعي ، ولم تكن مجرد نتيجة لتناول مشروبات كحولية مغشوشة ، هي مأساة تُجسّد خللًا أعمق بكثير من زجاجة فاسدة أو محتوى سام ، إنها كارثة تكشف عن ثقوبٍ واسعة في شبكة الرقابة، وتُظهر حالة انهيار في منظومة يفترض أنها مسؤولة عن حماية الأرواح قبل الأنظمة .
الضحايا ليسوا مجرد أرقام ، هم بشر فقدوا حياتهم وسط صمت قاتل وأسئلة مُعلّقة ، البعض يهرب إلى الوعظ الأخلاقي : ” لماذا شربوا ؟ هذا جزاؤهم ! ، لكن الحقيقة أن من ماتوا أصبحوا بين يدي الرحمن الرحيم ، وليس لأحد من الناس أن يكون حَكمًا على نواياهم أو مصيرهم ، مَنْ يجب أن يُحاسب الآن هو من سمح بأن تُروّج وتُوزّع مواد سامة كالميثانول ، ومن تستّر على منتجيها ، ومن تقاعس عن محاسبة من سمّم المجتمع بمنتج قاتل .
السؤال الأخطر : كيف وصلنا إلى هنا ؟ كيف انتشرت مشروبات فاسدة في الأسواق ؟ من سمح بتوزيعها بهذهِ الطريقة ؟ ومن تواطأ ؟ أو صمت ، أو غض الطرف ؟ لماذا تم التعامل مع الكارثة في بدايتها على أنها “حادثة فردية” ، قبل أن تتسع لتشمل محافظات متعددة ؟ ولماذا لا تزال هوية الفاعلين الحقيقية غامضة ؟ هل هم “أقوى” من القانون ؟ أم أن هناك ما هو أخطر خلف هذه القضية ؟ .
القلق لا يتوقف عند المسؤولية الصحية أو الرقابية ، بل يمتد إلى توقيت الحدث ، ففي زمن مشحون سياسيًا واقتصاديًا ، وتوتر إقليمي غير مسبوق ، هل بات اختلاق الأزمات وسيلة لتشتيت الرأي العام ؟ هل نحن أمام “أزمة مفتعلة” لتُغطي على ما هو آت ؟ هذه الأسئلة لا تنطلق من نظرية مؤامرة ، بل من واقع اعتدنا فيه على أن يُقتل السؤال قبل أن يُولد الجواب .
إن التستر على المسؤولين عن هذه الجريمة يُعد جريمة أكبر ، فليس من المنطقي أن تُزهق أرواح دون أن يكون هناك من يقف أمام القضاء علنًا ، وليس من المقبول أن يتم حصر المسألة في بضعة موظفين صغار ، بينما الشبكة الأوسع تبقى خارج دائرة الاتهام .
كارثة الميثانول ليست حدثًا عابرًا ، بل مؤشر خطير على هشاشة الرقابة ، وغفوة المؤسسات ، وتخلي البعض عن مسؤوليته الأخلاقية والوطنية ، فلو كان هؤلاء الضحايا سقطوا في تفجير إرهابي لا سمح الله لأعلنت البلاد الحداد ، وفتحت الأجهزة الأمنية كل ملفاتها ، أمّا وأنهم ماتوا بـ”كأس” فهذا يَغفِرُ للفاعل وتُغلق القضية بختم إداري ؟ .
المطلوب اليوم ليس فقط محاسبة المتورطين ، بل مراجعة شاملة للسياسات الرقابية ، وإعادة النظر في آليات التوزيع والترخيص ، وسن تشريعات واضحة وصارمة تحمي المجتمع من أي منتج قاتل ، أيًّا كان شكله أو غلافه أو مصدره .
الموت لا يفرق بين مذنب وبريء ، والعدالة لا تُجزّأ ، ومن حق كل مواطن أن يأمن على حياته ، حتى لو أخطأ ، ومن واجب الدولة أن تكون راعية ، لا مراقبًا عن بُعد ، أما إذا تحوّلت أرواح الناس إلى أرقام تُطوى في ملفات مغلقة ، فنحن أمام مأساة أكبر من الميثانول… نحن أمام انهيار في القيمة التي يجب أن تُصان قبل أي شيء : قيمة الإنسان !! هَل نسمع جوابًا ؟ أرجو ذلك .
المحامي فضيل العبادي
رئيس اللجنة القانونية / مجلس محافظة العاصمة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Dirancang untuk generasi digital, Toto Slot menawarkan pengalaman tanpa gesekan dengan antarmuka yang intuitif dan performa optimal, menjadikan setiap sesi bermain terasa ringan dan menyenangkan.