نتنياهو وترامب : من يقود من في الحرب مع إيران؟

نتنياهو وترامب : من يقود من في الحرب مع إيران؟
في ظل تصاعد ألسنة اللهب بين إسرائيل وإيران، بات واضحا أن المنطقة تدخل واحدة من أخطر مراحلها منذ عقود . لكن ما يثير التساؤلات اليوم هو العلاقة الدقيقة والمعقدة بين رئيس الوزراء
الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، الذي عاد إلى البيت الأبيض وسط اضطراب داخلي غير مسبوق، وعالم تمزقه الحروب، وتحالفات تنهار وتُعاد صياغتها.
إن ما نشهده اليوم ليس مجرد تصعيد عابر، بل حرب معلنة تتداخل فيها الجغرافيا بالاستراتيجية ،والمصالح بالتحالفات العقائدية.
إيران تخوض المواجهة باعتبارها امتدادًا لمعركة طويلة ضد
الهيمنة الأمريكية والاسرائيلية في المنطقة، وإسرائيل ترى فيها معركة مصيرية لكبح المشروع
الإيراني النووي والإقليمي . في هذا المشهد المشتعل، تبدو العالقة بين نتنياهو وترامب أحد المفاتيح الأساسية لفهم اتجاهات الحرب .
منذ عودته إلى رئاسة الحكومة، يخوض نتنياهو حروبًا متعددة في آن واحد : مواجهة قضائية على خلفية ملفات فساد، انقسام داخلي حاد، وانتقادات متزايدة أدائه في الحرب على غزة، ثم تلاحقت الأزمات إلى أن انفجرت الجبهة الشمالية مع إيران، وباتت الحرب شاملة على أكثر من محور.
يدرك نتنياهو أن وجوده السياسي مرهون بتغذية شعور دائم بالخطر الوجودي، وهو ما برع في استثماره عبر تحويل كل تصعيد إلى مكسب سياسي داخلي. ولعل العلاقة مع ترامب هي أحد أبرز أدواته في هذا الاتجاه، فمنذ ولاية ترامب الأولى، حصل نتنياهو على ما لم يحلم به أي رئيس وزراء إسرائيلي: اعتراف بالقدس عاصمة، وبالجولان أرضا إسرائيلية . كما أن نفوذه في الدوائر مكمن الوصول إلى عمق القرار الأمريكي، بل المحافظة الأمريكية، واللوبي المؤيد لإسرائيل،
وممارسته كتأثير مباشر . وها هو اليوم يجد في عودة ترامب إلى الرئاسة فرصة لتوسيع الحرب،
وتحويلها إلى صدام إقليمي واسع النطاق، تحت غطاء أمريكي مريح.
عاد ترامب إلى البيت الأبيض في ظروف داخلية متأزمة: انقسام غير مسبوق، نظام قانوني يطارده
بقضايا معلقة، واقتصاد هش، وحرب تجارية مع الصين، ومواجهة باردة مع روسيا . في ظل هذه الفوضى، تمثل الحرب الحالية فرصة لإعادة رسم صورته على الساحة الدولية . تبني خطاب صارم اتجاه إيران يمنحه تأييد المؤسسة العسكرية، ورضا التيارات الشعبوية، ويدرك أن الدعم المطلق
لإسرائيل يكفل له دعما ثابتًا من القاعدة الإنجيلية واليمين القومي . لكنه في المقابل، لا يرغب في
الغرق في مستنقع حرب مباشرة، ولهذا يوازن بدقة بين الحزم الاعلامي، والتدخل العسكري المحدود .
وحتى اللحظة، يقدم ترامب دعما سياسيًا وعسكريًا استخباراتيًا لإسرائيل، دون الدخول المباشر في ساحة المعركة . لكنه لا يخفي احتمال التورط إذا ما استهدفت إيران مصالح أمريكية أو
ردت على حلفاء واشنطن في المنطقة.
العالقة بين نتنياهو وترامب لا يمكن اختزالها في تبعية أحدهما للآخر . بل هي شراكة متبادلة،
يحاول كل منهما استثمار الآخر. نتنياهو يوظف دعم ترامب لحماية نفسه من خصوم الداخل،
وتحقيق اختراقات استراتيجية في حربه مع إيران، وترامب يستخدم نتنياهو لتبرير مواقفه
الصارمة، وكسب أوراق ضغط إضافية على إيران، وتوجيه الأنظار بعيدًا عن ملفاته القضائية . لكن
المراقب للمشهد يدرك أن نتنياهو هو الأكثر اندفاعا، وربما الأكثر تعطشا للتصعيد . بينما ترامب،
براغماتي، يُجيد اللعب على حافة الهاوية، دون أن يقفز منها.
السيناريوهات مفتوحة، لكن الاحتمالات الواقعية تشير إلى ثالثة مسارات : تصعيد تدريجي محكوم
تتوسع فيه المواجهات، لكن دون تدخل أمريكي مباشر، مع ترك إسرائيل تتحمل العبء العسكري،
وواشنطن تكتفي بالدعم السياسي والتكنولوجي؛ أو مواجهة إقليمية شاملة في حال توسعت الجبهة،
أو تدخلت أطراف أخرى )مثل حزب للا أو الحوثيين ( بقوة، ما قد يدفع ترامب إلى توجيه ضربات
مباشرة لإيران؛ أو تسوية مشروطة إذا وجدت الأطراف نفسها أمام خسائر غير محتملة، قد تعود
واشنطن لممارسة ضغط سياسي يقود إلى تسوية جزئية، ولكن بشروط قاسية على طهران.
نتنياهو زعيم مأزوم، يدفع باتجاه الحرب لتأمين مستقبله السياسي . وترامب رئيس يعود إلى البيت
مثقًال بالعواصف، ويبحث عن انتصار خارجي سهل. الحرب قائمة، والتصعيد وارد، لكن الأبيض
قرر المواجهة الشاملة ولا يزال في طور التفاعل. وما بين زعيم يهوى الحرب ليبقى، ورئيس
بالحرب ليكسب، يقف الشرق الأوسط مجددًا على حافة الانفجار . والسؤال الأخطر : من يملك حق
التراجع، قبل أن يسقط الجميع في الهاوية؟
المحامي فضيل العبادي
رئيس اللجنة القانونية / مجلس محافظة العاصمة