زيارة ترامب : دماء تُسكب .. وناطحات تُمدَح !!

لَمْ تَكُن زيارة الرئيس الامريكي إلى الشرق الاوسط حدثًا سياسيًا عابرًا ، وَلَم تُعيد ذاكرتنا الى الرسالة المحفورة في أعماقنا ” مِنْ أمير المؤمنين إلى كَلِب الروم ” ، بَلْ كانت مرآة صادمة لحجم الفجوة بين الشعوب العربية وقادتها ، وبينَ الجوع الحقيقي لكثير مِنْ هذهِ الشعوب ورفاهية الأجنحة الرئاسية في الفنادق الفاخرة !! .
الاستقبال الأسطوري في عواصم الرمال على السجاد الأحمر ، الرقصات الشعبية ، الخيول العربية الاصيلة ، وقصور الرخام ألتي أكثر ما لَفَتت أنظار زعيم العالم .. .
وعلى الجانب الآخر أطفال يُنتَشلون مِنْ تحت أنقاض الحجارة والتراب .. وأمهات يَكتبن أسماء اطفالهن على جلودهم استعدادًا لموت قادم بسلاح الزعيم الأوحد .. ليس هذا ما يَقتُلنا !! فَقَد اعتدنا الموت .. اعتدنا الشهادة .. فَمَن يطلُب الحسناء لَمْ يُغلِهِ المَهرُ .. ما قَتَلنا إبتسامات المجاملة على شاشات الزور والبهتان .. صفقات الأسلحة .. وخطط ما يسمونه السلام ..
لَمْ يَكُن غضب الشعوب العربية لأنّ ترامب جاء .. بل لأنه لَمْ يأت بشيء يليق بأوجاع المنطقة .. لَمْ يَذكُر غزة .. لَمْ يُدن الاحتلال .. لَمْ يقترب مِنْ فكرة العدالة .. جاء يحمل دفتر الصفقات لا دفتر القيَم .. لَمْ يسأل هولاء المنتظرون أين مصانعكم ؟ أين جامعاتكم ؟ أين مشروعكم السياسي ؟ .
أمّا المُستَقبِلون فالسباق بينهم : مَنْ يُقَدم أكثر !! مَنْ جواريهِ أكثر جاذبية !! مَنْ سيفوز بالرضا ؟.
لا أحد ينظر كيف نهضت امريكا ، كيف بَنت مؤسساتها بالدستور لا بالمبايعات !! بالمساءلة لا بالمجاملات !! نتألم حين ينظر إلينا زعيم العالم كرعاة بترول لا كأمم ذات وجدان وحق . نتألم حين تُصبح ناطحات السحاب شهادة تفوق وحقوق الانسان ورقة مؤجلة ، حينَ تُباع طائرات بالاف المليارات ويُنسى جريح فلسطيني لا يجد سريرًا في مشفى !! .
زيارة لَمْ تَكُن درسًا في الدبلوماسية بل في المواقف .. قد تفتح عيونًا وتوقظ ضمائراً وترسم أولويات .. زيارة ليست كالزيارات .. زيارة بطعم الذل والهوان .. زيارة مَنْ يَهُن يسهل الهوان عليه .
المحامي فضيل العبادي
رئيس اللجنة القانونية / مجلس محافظة العاصمة