“الأزمة الاقتصادية في قطاع المقاولات والهندسة في الأردن: بين السياسات الخاطئة والمستقبل المجهول”

“الأزمة الاقتصادية في قطاع المقاولات والهندسة في الأردن: بين السياسات الخاطئة والمستقبل المجهول”
عمان _محمود أيوب
يُعد قطاع المقاولات والهندسة من الأعمدة الأساسية للاقتصاد الأردني، وقد لجأت دول عظمى مثل الصين وكوريا وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية إلى هذا القطاع الحيوي للتخفيف من أزماتها الاقتصادية الخانقة والخروج منها. وقد اتبعت هذه الدول سياسة دعم هذا القطاع داخليًا، وتحفيزه، وتزويده، وحمايته، وحل مشاكله التي تواجهها مع البنوك، مثل إصدار الكفالات خارج الوطن. بعد دراسة وتمعن في تجارب هذه الدول، تبين لي أهمية هذا القطاع كونه يقود عددًا كبيرًا من القطاعات الاقتصادية مثل الصناعة المساندة والتأمين والبنوك والخدمات التي يقودها هذا القطاع الرائد. هذه القطاعات، التي تتمتع بأهمية بالغة، أسهمت في رفع الناتج المحلي الإجمالي، وساهمت في القضاء على آفة البطالة.
لكن في الأردن، نجد أن الوضع مختلف تمامًا. حيث أن السياسات الحالية التي تنتهجها وزارة الأشغال العامة والإسكان تحت قيادة الوزير ماهر أبو السمن تساهم في أزمة غير مسبوقة تهدد مستقبل هذين القطاعين الحيويين. بدلاً من أن تكون الوزارة محركًا لدعم النمو والتطوير في هذه القطاعات، فإن قراراتها المتعاقبة تزيد من تفاقم الأزمات، مما يعرض الشركات المحلية للتوقف والإفلاس، ويهدد الاقتصاد الوطني بالخسائر الفادحة.
معاناة المقاول الأردني وغياب الدعم الحكومي
يواجه المقاولون الأردنيون مجموعة من التحديات التي تعيق قدرتهم على الاستمرار في السوق، أبرزها:
تأخير صرف المستحقات المالية، مما يعطل سير العمل ويؤدي إلى تراكم الديون.
ارتفاع تكاليف المواد الأولية، التي تضاف إلى الأعباء المالية على المقاولين.
تعقيد الإجراءات البيروقراطية، مما يزيد من صعوبة تنفيذ المشاريع ويسهم في تأخيرها.
على الرغم من أهمية هذه القطاعات في تحفيز النمو الاقتصادي، إلا أن السياسات الحالية تزيد من الضغط على المقاولين، مما يؤدي إلى توقف العديد من المشاريع وتسريح العمالة، وتفاقم أزمة البطالة في هذا القطاع الحيوي.
إغلاق المكاتب الهندسية الكبرى
لم تقتصر التأثيرات السلبية على قطاع المقاولات فقط، بل امتدت لتشمل المكاتب الهندسية الكبرى التي بدأت في إغلاق أبوابها نتيجة تراجع المشاريع وتأخر صرف المستحقات. من أبرز الأسباب التي أدت إلى هذه الأزمة:
تأخير دفع المستحقات المالية، مما جعل من المستحيل على المكاتب الهندسية دفع رواتب الموظفين واستمرار العمل بشكل طبيعي.
تعقيد إجراءات التراخيص والموافقات، ما جعل الحصول على التراخيص اللازمة أكثر صعوبة وأدى إلى تأخير تنفيذ المشاريع.
ارتفاع الضرائب والتكاليف التشغيلية، مما وضع عبئًا إضافيًا على الشركات وأدى إلى تصعيد أزمة التشغيل.
نتيجة لهذه التحديات، فقد فقدت العديد من المكاتب الهندسية قدرتها على الاستمرار، مما أدى إلى تسريح المهندسين وفقدان الخبرات المحلية التي تعتبر جزءًا مهمًا من سوق العمل في الأردن.
التداعيات الاقتصادية
تستمر هذه السياسات في التأثير بشكل كارثي على الاقتصاد الأردني، ومن أبرز تداعياتها:
ارتفاع معدلات البطالة بسبب فقدان العديد من المهندسين والمقاولين لوظائفهم.
تراجع الخبرات المحلية، مما يفاقم من الاعتماد على الاستشارات والخبرات الخارجية.
ضعف جودة المشاريع، بسبب نقص الخبرات المحلية التي تعي طبيعة التحديات الهندسية في الأردن.
التوجهات المستقبلية: ما الذي يجب أن يحدث؟
إن المطلوب في هذه المرحلة هو تغيير جذري في السياسات المتبعة، بما يضمن دعم القطاعين وتعزيز قدرتهما على التعافي والنمو، من خلال:
الإسراع في صرف المستحقات المالية لضمان استمرارية الشركات والمكاتب الهندسية.
تقديم تسهيلات ضريبية وتمويلية لدعم المقاولين والمكاتب الهندسية وتخفيف الأعباء المالية.
تبسيط الإجراءات البيروقراطية، مما يساهم في تسريع تنفيذ المشاريع ويسهل من عملية الحصول على التراخيص.
خلق بيئة عمل مستقرة وآمنة للمكاتب الهندسية، تضمن استمراريتها وتوسعها.
التحديات المستمرة: وزير غير قادر على إدارة الملفات
في ظل الأزمات المتزايدة التي يواجهها قطاعا المقاولات والهندسة، أصبح من الواضح أن وزير الأشغال ماهر أبو السمن غير قادر على إدارة الملفات الحساسة لهذه القطاعات، ولا يملك الحلول المناسبة التي قد تنقذ القطاعين من الانهيار. إن الأردن بحاجة إلى قيادة تتمتع برؤية واضحة وإستراتيجية فعّالة لمعالجة هذه الأزمات المتراكمة.
إن القطاعين بحاجة إلى حلول عاجلة ومنهجية تحافظ على قوتهما وتساهم في استدامتهما بعيدًا عن القرارات التي تزيد من تعقيد الأوضاع.