قراءة حقوقية في خطاب العرش

0


المحامي معاذ المومني
المستشار القانوني في معهد القانون و المجتمع

يشكل خطاب العرش السامي الذي قدمه جلالة الملك في افتتاح الدورة العادية لمجلس النواب العشرين محطة هامة على أجندة العمل الوطني حيث تم تسليط الضوء على أولويات المرحلة المقبلة ورؤى تطوير الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المملكة من خلال المثلث الذهبي لمنظومة التحديث السياسي و الاقتصادي و الادارة العامة. ومن منظور حقوقي يحمل هذا الخطاب قيمة استثنائية اذا ما قرأ ما بين السطور إذ يعكس التزام الدولة الأردنية بالقضايا الحقوقية ويضع إطارًا يعكس التوازن بين المسؤوليات الوطنية والواجبات الدستورية.
و لا بد لنا مع القراءات ذات المضامين السياسية ان نسلط الضوء ايضا على المضامين الحقوقية و المرتبطة بقضايا حقوق الانسان في خطاب العرش بما في ذلك سيادة القانون و تعزيز العدالة الاجتماعية وحماية حقوق الفئات الأكثر ضعفًا و تعزيز قدرات النساء و الشباب من خلال بناء قدراتهم لوظائف المستقبل -كما اورد جلالته بحرفية النص- حيث تمت الاشارة بشكل مباشر او بشكل غير مباشر لكثير من القضايا الحقوقية كان على رأسها الحقوق المدنية و السياسية حيث ركز الخطاب على ضرورة المضي قدما برؤى التحديث السياسي و الذي تشكل المشاركة العامة و المشاركة السياسية و تحديث التشريعات و الانظمة الانتخابية و قوانين الادارة المحلية اساسا في عملية التحديث بما يضمن مشاركة اوسع للمواطنين في اتخاذ القرار و لا يمكن قراءة المشاركة العامة بطبيعة الحال بمعزل عن حقوق الانسان المدنية و السياسية لا سيما حرية التعبير و المشاركة السياسية و سيادة القانون كركيزة اساسية لضمان العدالة و المساوة امام القانون.
بالإضافة لذلك تناول الخطاب قضايا مرتبطة بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و التحديات و الفرص و الدوافع الوطنية للمضي قدما في تحديث المنظومة الاقتصادية من خلال تعزيز التنمية الاقتصادية كحق اساسي للمواطنين و تحسين الخدمات الاساسية و هذا بطبيعة الحال لا بد ان تكون له انعكاسات ايجابية على منظومة التعليم و الذي يعكس التزام الأردن بالحق في التعليم كجزء من حقوق الإنسان الثقافية بالإضافة الى الحق في الصحة و البنى التحتية و التي تشكل احد اهم الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية في المنظور الحقوقي بالإضافة الى بناء قدرات الشباب و تحضيرهم لفرص المستقبل من خلال الاستثمار بالشباب و توفير البيئات الداعمة لهم في الابتكار و ريادة الاعمال.
اما على صعيد المنظومة الحقوقية الدولية تناول الخطاب قضايا حقوق الانسان في المنطقة و تحديدا الانتهاكات المرتكبة بحق الاشقاء الفلسطينيين و ضرورة التمسك بالقيم و المعايير الدولية التي تحمي الشعب الفلسطيني من التدمير اليومي لأرضه و شعبه و هذا السياق لا يمكن الا ان يقرأ في مسار منظومة حقوق الانسان الدولية و المتمثلة في القانون الدولي لحقوق الانسان و القانون الدولي الانساني و الاتفاقيات الدولية الناظمة لهذه الحقوق و ضرورة احترام المبادئ الدولية لحقوق الانسان بما في ذلك الحق في تقرير المصير و الذي يتقاطع مع حقوق الانسان بكل تفاصيلها و سياقاتها التاريخية و منظومتها القانونية.
اخيرا فان خطاب العرش الذ قدمة جلالة الملك اليوم يمثل وثيقة وطنية غنية بالدلالات والتوجهات التي تعكس التطلعات الوطنية لتعزيز البناء الديمقراطي وتحقيق العدالة الاجتماعية ومن منظور حقوقي، فإن الخطاب يعد فرصة لتأكيد التزام الأردن بمبادئ حقوق الإنسان وسيادة القانون ولتحفيز الحوار الوطني حول القضايا الأساسية التي تؤثر على حياة المواطنين – هذا من جانب – و من جانب اخر فأن التحليل الحقوقي للخطاب من شأنه ان يبرز ادوار مهمه في رسم ملامح المرحلة المقبلة لا سيما فيما يتعلق بتحقيق المساواة و حماية الحريات و وتعزيز المشاركة المجتمعية. و يقع على عاتق مجلس الامة و السلطة التنفيذية رسم السياسات العامة و الخطط التنفيذية و ترجمتها إلى سياسات وتشريعات تنعكس على الممارسات اليومية و هذا بالطبع يتطلب تكاتف الجهود بين كافة مؤسسات الدولة والمجتمع المدني لضمان تحقيق الأهداف الحقوقية الوطنية المرجوة و التي عبر عنها بخطاب العرش السامي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *