الإخوان المسلمون في المعادلة الأردنية !!
الإخوان المسلمون في الأردن ليسوا ملائكة ولا شياطين ، هم قوة اجتماعية وسياسية متجذرة ، أثبتوا حضورًا واسعًا في النقابات والجامعات والبرلمان ، وتمكنوا من الحفاظ على قاعدة شعبية راسخة رغم كل الضغوط والانقسامات ، قوتهم تكمن في خطاب أخلاقي يرفع لواء محاربة الفساد والدفاع عن فلسطين وحماية الهوية الوطنية ، وفي قدرتهم التنظيمية التي قلّما تتوافر لغيرهم من القوى السياسية ، لكن هذه القوة لا تعفيهم من النقد، ولا تجعلهم فوق المساءلة، فهم في نهاية المطاف جزء من مجتمع ودولة يحتاجان إلى خطاب سياسي مسؤول وبرامج واقعية قابلة للتنفيذ .
الإخوان يعانون من ثغرات حقيقية، أبرزها أنهم لم يُختبروا في السلطة التنفيذية ولم يقدموا حلولًا مفصلية للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها الأردنيون، فظل خطابهم مثاليًا أكثر من كونه عمليًا ، انقساماتهم الداخلية أضعفت من صورتهم كتنظيم موحد، وغموض مواقفهم من قضايا الديمقراطية والحريات جعل قطاعًا واسعًا من المجتمع يشكك في نواياهم ، هذه أخطاء يتحملون مسؤوليتها، ولا يجوز أن تُغطى بشعارات عامة أو بمكانتهم التاريخية ، ولا يجوز لهم أن يَبقوا تحتَ معادلة الضمير الحَيّ والعقل الرديء في تعاملهم مع المجتمع .
في المقابل ، من الخطأ أيضًا أن يتحول نقد الإخوان إلى مجرد وسيلة للتقرب من السلطة أو لتحقيق مكاسب شخصية ، فَبعض المنتقدين لا يهاجمونهم إلا لأنهم يظنون أن هذا ما تريده بعض الجهات الرسمية، أو لأنهم يبحثون عن حظوة عند صاحب القرار . هذا النوع من النقد لا يخدم الدولة ولا المجتمع، بل يحول النقاش العام إلى ساحة لتصفية الحسابات والانتهازية السياسية. النقد الحقيقي يجب أن يكون موضوعيًا، يسلّط الضوء على الأخطاء من أجل التصحيح، لا من أجل الاستهداف الأعمى .
الأردن اليوم يواجه تحديات جسيمة داخلية وخارجية، وفي ظل هذه الظروف لا يجوز أن يتحول المجتمع إلى معسكرين : مع الإخوان أو ضدهم ، المطلوب أن نتعامل معهم كجزء من النسيج الوطني، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، وأن نستثمر وجودهم كقوة منظمة ضمن قواعد العمل السياسي، بدل دفعهم إلى الهامش حيث قد يصبحون أكثر خطورة .
إدماجهم في العملية السياسية، مع مساءلتهم بموضوعية، أفضل بكثير من محاصرتهم أو شيطنتهم. فالدولة القوية هي التي تستوعب جميع مكوناتها، وتحوّل حتى القوى الجدلية إلى عناصر توازن واستقرار، لا إلى مصادر توتر دائم ، المطلوب مِنْ بعضِ المُتسلقين ومُنتهزي الفُرص التوقف عَنْ هذا العبث والانخراط في صَف الوطن – وَعَن بعض المسؤولين أتحدث – .
المحامي فضيل العبادي
