LOOK WHO IS TALKING

LOOK WHO IS TALKING
2018-11-25
ياسين بني ياسين
ن.ب

أرجو أن لا تؤاخذوني على هذا العنوان الغريب، ولا على كتابته باللغة الإنجليزية بدلا من اللغة العربية، هذه اللغة -لغة أبي وجدي- التي لها في قلبي عشق خاص يصعب علي وصفه، ولو حاولت! لكنَّ شر البلية ما يتمزق بسببه القلب وترتعد له كل الفرائص!

عنوان في إحدى الجرائد الأردنية الصادرة صباح هذا اليوم سمعته من مقدم البرنامج الخاص في إذاعة الجامعة الأردنية، نصُّه: "الجيش البريطاني يقول إن روسيا أكثر خطرا على المنطقة من داعش"!!!

هذا القول صادر عن الجيش البريطاني، لا عن أي جهة سواه! الجيش البريطاني الذي عاث، ويعيث، في المنطقة كلها (والعالم بأسره) فسادا وإفسادا وتمزيقا منذ أن أصبح لهذا الجيش الاستعماري مخالبُ وأنيابٌ يستطيع بها أن يجهز على كل ما هو أمامه! وللتأكد من هذا الكلام فإن القارئ المهتم يستطيع أن يسأل قارات العالم الستَّ، ومعها كل المحيطات والبحار التي تحيط بها، ومعها كذلك كل البحيرات والأنهار التي تجري فيها.

لا أريد، هنا، أن أتحدث عن تاريخ السياسة البريطانية الماكرة، ولا عن تاريخ الجيش البريطاني المخاتل ومآسيه في العالم، كل العالم، وإن كان مثل هذا الحديث ذا صلة، لأن هذا سيدخلني في نفق مظلم (لهم وللعالم بأسره) سيطول السير فيه ويصعب الخروج منه.

ولا أريد أن أتكلم عن تاريخ الحروب الصليبية، ذلك الكابوس الذي من خلاله جثم البريطانيون، ومعهم أوروبيون كثيرون، على صدور الناس في هذه البلاد لأكثر من مئتي عام، فيها قَتَلوا ونَهبوا وخرَّبوا ودنَّسوا كل ما وصلت أيديهم وأرجلهم (ومعها أطماعهم) إليه. فهذا تاريخ طويل أسود أيضا. ألم يَسِلِ الدمُ في تلك الأيام المظلمة مغطيا شوارع القدس وساحاتها؟ ألم يقل لنا التاريخ إنهم أحرقوا الأخضر قبل اليابس في بلاد الشام بأسرها، ونهبوا كل ما استطاعوا نهبه، وأهانوا كل من قدروا على إهانته، ودنّسوا كل شيء أَمْكَنَهم دَنسُهم من تدنيسه؟

ولا أريد أن أبحث في الدسائس والمكائد والمؤامرات التي أوصلت دولة بني عثمان إلى ما وصلت إليه، وهي الدولة التي من أهم مآثرها أنها حافظت على وحدة العرب وحفظت، فعلا لا قولا ولا شعارا، فلسطين ومقدساتها من الضياع. فهذه أيضا فترة زمنية ممتدة معقدة.

كذلك فإنني لا أرغب في الحديث عن الموضوع إياه بالتفصيل ولا عن أثاره المدمرة على هذه المنطقة من العالم، التي نُكِبَت بالاستعمار البريطاني المباشر، منذ قرن ونيِّف، وآلت أحوالها إلى ما آلت إليه من تيه وضياع وفرقة وضعف وشتات في كل مجال من مجالات الحياة. لا أرغب في هذا لأنه أمر معجِزٌ في هذه العجالة التي أحببت فيها أن أقول لهؤلاء المخادعين ولكلِّ من والاهم: "إن تكلم كل الناس عن هذا الموضوع بالذات (الشر والأذى والخطر)، فأنتم أولى بكم أن 'تخرسوا'، لأنكم لستم صادقين، ولم تكونوا صادقين في ذلك، في يوم من الأيام، ولا في لحظة من لحظات التاريخ الذي لطختموه بدماء الحزانى والأبرياء في كل بلاد الكون، أو كنتم السبب الرئيس في هذا البؤس ومثله".

كل ما أريده هنا هو أن أسأل هؤلاء الأفَّاكين وصنائِعَهم عن نكبات أوقعونا فيها، واحدة تلو الأخرى، وأحيانا بالتزامن، منذ وطئت أقدامهم النجسة هذه الأرض المقدسة قبل ما يزيد على مئة عام.

ألم يعدونا بدولة عربية موحدة إن وقفنا معهم ضد العثمانيين، وأخلُّوا بالوعد قبل أن يجف الحبر الذي كتبوه به؟ ألم يستغلوا ضعاف العقول منا (ويستغفلوهم) في تلك الأيام حتى وقف الأخ ضد أخيه والحليف في وجه حليفه؟ أليسوا هم، أعني البريطانيين (ومعم الفرنسيون)، الذين قطَّعوا أوصالنا بسكين مسموم كليل (غير حاد blunt) اسمه "سايكس-بيكو"؟ أليسوا هم الذين أصدروا وعد بلفور المشؤوم فأعطَوا فيه فلسطين العربية (تاريخا وحاضرا ومستقبلا وانتماء وهُوية) إلى شذاذ الآفاق وعديمي الهُويّة؟ أليسوا هم الذين تكفلوا بفتح كل الأبواب لليهود لكي يدخلوا فلسطين من أي باب شاؤوا؟ أليسوا هم الذي دافعوا بدمائهم، ومعها دماء كل المرتزِقة والمستضعفين، عن تحقيق هذا الهدف لليهود؟ أليسوا هم الذين غرسوا هذا الخنجر المسموم في قلوبنا، وغرسوا معه كل المصائب والمآسي والشرور والآثام والآلام  التي نقاسي منها في حياتنا صباح مساء؟ أليسوا هم الذين آزروا هؤلاء الدخلاء في كل محفل دولي محاولةً منهم لطمس حق أصحاب الحق، وبكل ما استطاعوا؟ (طالت الفِقرة ولم تنفد الأسئلة، ولن تنفد!)

أليسوا هم مبتدعي سياسة "فرق تسد"، مهما كانت الوسيلة لتنفيذها، ومهما كان الثمن، ومهما كانت النتيجة؟ أليسوا هم الذين قالوا للبسطاء والجهلة والرُّعاع مِنَّا: أنت مسلم وأنت مسيحي، وأنت سني وأنت شيعي، وأنت كردي أو فارسي وأنت عربي، وأنت جاهل وأنت غبي، فسالت دماء الناس منَّا في كل شارع وعم الخراب في كل مكان؟ أليسوا هم الذين زرعوا أشجارا خبيثة في كل مكان من وطن العرب (أشجارا خبيثة الجذور، خبيثة الجذوع، خبيثة الأغصان، خبيثة الأوراق، خبيثة الثمار) فسمَّموا بها باطن التراب العربي وظاهره وكل ما يعيش عليه من نبات أو إنسان أو حيوان، أو يحيط به من ماء وهواء وسماء؟

أليس البريطانيون أنفسهم هم من صاغوا قرار (٢٤٢) الملعون (الشبيه شؤما بوعد بلفور!)، المتعلق بالانسحاب الإسرائيلي من الأراضي التي احتُلَّت عام ١٩٦٧ م، والذي أدخل العالم كله في متاهات التأويل والتفسير والالتباس منذ تلك الأيام؟

لو خرج من قبره أيٌّ من وزراء المستعمرات (ومنهم، وعلى رأسهم، "أبو سيجار" مصنوع من مآسي المستعمَرين ومصائبهم) وسمع مثل هذا الكلام الذي يقوله جيش بلاده لأطرق خجلا وحياء وحرجا منه وبسببه، لأنه لن يرضى أن يكون هناك بلد في الكون أكثر توزيعا للشرور والمصائب من بلده.

وللذين لم يقرأوا التاريخ، ولم يعيشوا طويلا في دواماته المهلكة، وللذين هم الآن ما زالوا في مقتبل العمر أقول: إن كنتم في شك من حديثي هذا فاعرضوه على مارغريت ثاتشر وجون ميجر وتوني بلير وغوردون براون  وديفد كامرون وتيريزا ميه، ومعهم كل الساسة البريطانيين الأحياء الآخرين لترَوا رد فعلهم المستهجِن الرافض لهذا الكلام ومثله. فأيدي هؤلاء ملطخة، وضمائرهم ميتة، وأنفسهم لا تقبل بأن يكون هناك من هو شرٌّ منهم في هذا الكون!

وللذين يعيشون الحاضر بكل مُهلكاته وكوارثه ومآسيه أقول: إن كنتم في ريب مما أقول، فانظروا حولكم، وشاهدوا بأم أعينكم، وبعد ذلك اسألوا أمريكا (وبريطانيا التابعة الصغيرة الذليلة اللئيمة) عن السودان والعراق وليبيا واليمن وسوريا! وأقول لهم أيضا انتظروا ما سوف تؤول إليه حال البقية الباقية من العرب وبلاد العرب من مآسٍ ومصائب ونكبات، إن لم ينتبه العرب لذلك!!!! ولن ينتبهوا!!!!

("" حتى أنت، يا بريطانيا!!! "")

تعليقات القراء

تعليقات القراء