يا وَكْسَتنا!

يا وَكْسَتنا!
2018-10-16

سما الاردن | أرسلت لي إحدى الأخوات سؤالا عبر (الواتس آب) هذا نصه: (مرحبا شيخ، هل اسم إيمان وملك ورحمة وهدى، حرام في المذهب الحنفي، أسأل لأني على هذا المذهب، سمعت فتاوى أنه حرام، لأن فيه تزكية، ودليله أن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم، غير اسم إحدى زوجاته من بَرّة إلى زينب، وشكرا).

الحديث الذي ساقته الأخت الكريمة صحيح، وقد قال فيه العلامة ابن بطال (ت:449هـ) في شرحه على صحيح البخاري ما نصه: (قال الطبري: وليس تغيير رسول الله ما غير من الأسماء على وجه المنع للتسمي بها؛ بل ذلك على وجه الاختيار؛ لأن الأسماء لم يسمّ لها لوجود معانيها في المسمى بها، وإنما هي للتمييز، ولذلك أباح المسلمون أن يتسمى الرجل القبيح بحسن، والرجل الفاسد بصالح، يدل على ذلك قول جد ابن المسيّب للنبي عليه السلام حين قال له أنت سهل: ما كنت أغير اسما سمّانيه أبي، فلم يُلزمْهُ الانتقال عنه على كل حال، ولا جعله بثباته عليه آثما بربه، ولو كان آثما بذلك لجبره على النقلة عنه، إذ غير جائز في صفته عليه السلام أن يرى منكرًا وله إلى تغييره سبيل)اهـ.

هذا هو شرح الحديث ومعناه مِن أحد أهم شرّاح الحديث النبوي الشريف، فلا يُلزم الإنسان بتغيير اسمه، وإنما كان ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الاختيار لا الإجبار، بدليل أنّ حزْنًا لما أراد النبي صلى الله عليه تغيير اسمه إلى سهل، رفض ذلك بحجة أنه لا يغيّر الاسم الذي سماه به والده، واحترم النبي صلى الله عليه وسلم رغبته.
والسؤال المهم الآن، هل انتهت مشاكلنا ومصائبنا وكل قضايانا حتى نشغلَ أنفسنا بمسألة كهذه محملها الاختيار والاستحباب فقط؟ المسلمون يموتون ويُقتلون ويعانون من تخلف لا يعلم نهايته أحد من البشر، ثم نسأل عن أسمائنا هل نغيّرها أو نبدلها؟ هل سيستقيم حالنا مع الله وعباد الله إن غيّرنا أسماءنا؟ هل القضية حساسة إلى هذا الحدّ؟ 

بعض الإخوة يتخذ مِن مثل هذه المسائل قضية مصيريّة، ويظن أنّ مصير الأمة مربوط بها، وهي السبب في كل مشكلاتنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، لكن لو قمنا بتغيير هذه الأسماء وغيرها، هل ستحل مشكلاتنا؟ إنها المعارك الجانبية تطفو على السطح لتحجب عنا رؤية قضايانا المهمة الكبرى.

أما آن لنا أن نفهم أنّ أهمّ شيء في الدين هو العقيدة الصحيحة، الإيمان بالله تعالى، وتوحيده، وتنزيهه، والإيمان بالرسل الكرام، والكتب المنزلة، والملائكة، واليوم الآخر، والقدر. أن نؤمن بها إيمانا صادقا يجعل القلب سليمًا من كل شرك أو شك. ثم تأتي إقامة العبادات من صلاة وصيام وزكاة وحج، وبعدها ترسيخ منظومة الأخلاق بين الناس جميعا. هذا هو الإسلام، وهذه هي معالم طريق الدعوة إلى الله تعالى، وهذا هو منهاج النبي صلى الله عليه وسلم. 

أما الانشغال عن الفرائض المهمة بالنوافل كمسألة الأسماء، أو طول اللحية، وقصر الثوب، أو وضع اليد في الصلاة، أو حركة الإصبع في التشهد، فهو ابتعاد عن الطريق الصحيح، إذ الاشتغال بالنافلة يكون بعد إقامة الفرض لا قبله. وإلا كنا كشخص يصلي نافلة، فاحترق بيته، وصارت زوجته وأولاده يطلبون النجدة ويستغيثون، وهو يطيل القراءة طلبا لمزيد من الأجر والثواب، هل هكذا يكون التّدين والتقرب إلى الله تعالى؟ أعتقد أنّ الإنسان لو صحح عقيدته وأقام عباداته وحسّن أخلاقه، وكان اسمه (أبو بريص) سيكون مقبولا عند الله تعالى.

المصدر: الدستور

تعليقات القراء

تعليقات القراء