مُعلّم أجبر على بيع الفلافل

مُعلّم أجبر على بيع الفلافل
2019-09-04
إسراء زيادنة

سما الاردن | بخفة يصعد محمود خروب ويهبط، حاملاً بعض شطائر الجبنة وساندويشات «الفلافل» والقهوة السادة للزبائن، في الطريق المؤدي إلى مدينة رام الله من قرى شمال غرب القدس، إذ يمضي فترته المسائية، في استراحة «الكونتينر» وهي عبارة عن «كرافان» عارضاً قهوته وشطائره على جموع السائقين، الذين أعياهم التنقل بين تلك القرى ومدينة رام الله.

لم يترك خروب (36 عاماً)، مهنته كمعلم في إحدى مدارس محافظة رام الله، لكنه ومنذ بدء الأزمة المالية التي تعصف بالحكومة الفلسطينية، وألقت بظلالها على موظفي القطاع الحكومي، اشترى دلة قهوة، وبعض مستلزمات صنع الفلافل، وهي إحدى الأكلات الشعبية السريعة، المتوارثة في فلسطين، بناء على نصيحة من صديقه رائد، الذي بدأ يعمل هو أيضاً في «بيع العصافير» للتغلب على هذه الضائقة.

خروب، أب لثلاثة أطفال (بنتين وولد) تتراوح أعمارهم بين 4 إلى 10 سنوات، وجد نفسه كغيره من الموظفين الحكوميين، ملزماً باجتياز حاجز «الوظيفة»، بل إنه تنبّه مبكراً إلى أهمية البحث عن مصدر رزق بديل، لتدبير شؤون حياته.

يرابط محمود، منذ الساعة السادسة مساء، في استراحته، وبعد أن يكون قد أخذ استراحة لبضع ساعات، لدى عودته من المدرسة، راكضاً خلف قوت أطفاله، ولا يغيب عنها منذ أزمة الرواتب في الأراضي الفلسطينية، ومعظم العابرين على ذات الطريق، اعتادوا رؤيته في هذا المكان، وباتت تربطه بكثير منهم، علاقات مودة.

مهنة صنع الفلافل والقهوة متعبة ولا تدر أرباحاً كثيرة، يقول خروب، غير أن البيت بحاجة إلى مصروف يومي، وهو ما توفره هذه المهنة، التي لا تحتاج إلى رأس مال. تنتعش تجارة محمود، في أوقات الازدحام، ولدى عودة الموظفين والعاملين في مدينة رام الله إلى قراهم، الأمر الذي يدفع بالسائقين، وبعض الركاب، إلى «تهدئة أعصابهم» بكوب من القهوة، يسكبها لهم «أبو النور» والابتسامة تعلو وجهه. العمل على أطراف مدينة رام الله، أفضل من داخلها، يوضح خروب لـ«البيان»، مبيناً أن استراحته تقع داخل حدود قرية رافات، وبالتالي فهي «رخيصة» من حيث إيجارها من البلدية، مضيفاً: «أضطر للبقاء حتى ساعات الليل المتأخرة، وفي الأيام التي لا يكون فيها دوام للموظفين، أغادر مبكراً».

يتّبع محمود أسلوب البدو في تحضير قهوته «السادة»، إذ يحضرها في بيته ليلاً، ويتركها تتخمّر حتى الصباح، فيأتي بها باردة إلى الاستراحة، ويسخنها بعد إضافة «الهال» في دلته ذات القدرة على التسخين، بواسطة الفحم، الذي يملأ به الجزء السفلي منها، فتظل القهوة ساخنة طوال اليوم. يضيف: أكسب مبلغاً متفاوتاً من يوم إلى آخر، وهذا المبلغ «نعمة من رب العالمين» في هذا الظرف الذي نعيشه، وهو بكل الأحوال سيساعدني في تدبير شؤون أسرتي، إضافة إلى ما أحصل عليه من «نصف الراتب».

ختم أبو النور قائلاً إن «السائقين اعتادوا قهوتي وأحبوها، وباتوا يفضلون أن يأخذوها مني «على الماشي» بدلاً من شرائها من وسط مدينة رام الله، وطالما بقيت الأزمة المالية، سأظل في مكاني، وأواصل كسب رزقي هنا، أما إذا اشتدت الظروف، وانقطع الراتب بشكل كامل، فقد أزاول عملي في بيع القهوة، متجولاً في شوارع رام الله»

تعليقات القراء

تعليقات القراء