من يجب أن يحصل على لقاح كورونا أولا؟

من يجب أن يحصل على لقاح كورونا أولا؟
2020-10-25
ن.ب

سما الاردن | نشر موقع "الجزيرة" تقريراً تحت عنوان "من يجب أن يحصل على لقاح كورونا أولا"، وقد أشار التقرير الى أن "العالم وصل إلى مرحلة حرجة في إطار جهوده المبذولة لمكافحة فيروس كورونا المستجد المسبب لمرض "كوفيد-19″، ففي وقت كتابة هذا التقرير، توفي أكثر من مليون شخص نتيجة إصابتهم بالفيروس"، لافتاً الى أن "الناس تتأثر بطرق مختلفة بعد الإصابة بفيروس كورونا (واسمه العلمي "سارس كوف-2" (SARS-CoV-2)، مع معاناة مجموعة فرعية من أمراض شديدة وفشل تنفسي".

وسأل التقرير: "على الرغم من الجهود المستمرة الرامية لتطوير لقاح، فإن الإمدادات ستكون محدودة في البداية مع عدم توفر لقاحات فيروس كورونا على نطاق واسع حتى منتصف عام 2021 على أقل تقدير. والسؤال الذي يطرح نفسه إذا هو: من يجب أن يحصل على اللقاح أولا؟".   وأجاب التقرير: "يتفق معظمنا على أنه يجب تحصين العاملين في الخطوط الأمامية بقطاع الرعاية الصحية والأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بأمراض خطيرة أولا.

ووفقا للبيانات الصادرة عن مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، ترتفع معدلات دخول المرضى المصابين بفيروس "كوفيد-19" الذين تتراوح أعمارهم بين 75 و84 عاما إلى المستشفى لتلقي العلاج بمقدار 8 أضعاف، كما يرتفع معدل الوفيات لديهم بمقدار 220 ضعفا مقارنة بالأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاما. ويرتفع معدل دخول المستشفى لتلقي العلاج إلى 13 ضعفا ومعدل الوفيات إلى 630 ضعفا لدى المرضى الذين تزيد أعمارهم على 85 عاما.

ولم يكن الأمر كذلك دائما مع الأوبئة الأخرى، فقد شكل فيروس إنفلونزا الخنازير الذي انتشر في عام 2009 خطورة كبيرة على الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5-18 عاما، والأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و49 عاما بشكل خاص.

وبالمثل، لوحظت خطورة الإنفلونزا الإسبانية التي انتشرت في عام 1918 بسبب ارتفاع معدل الوفيات لدى البالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و40 عاما. وعندما يحدث انتشار لأحد الفيروسات، من المهم تحديد المجموعة الأكثر عرضة للخطر بين السكان بسرعة وإعطاء الأولوية في العلاج والحماية لها.

لذلك، من الضروري إيجاد إستراتيجيات لتحديد المجموعات الفرعية من السكان التي تتعرض لمخاطر عالية وتطوير مناهج سريعة للتشخيص والعلاج.

والطب الدقيق هو نهج جديد لعلاج الأمراض والوقاية منها بناء على التركيبة الجينية لكل شخص ونمط حياته والبيئة التي يعيش فيها. ويتم الترويج لهذا النهج باعتباره مستقبل الرعاية الصحية حيث تصمم طرق العلاج المناسبة للمريض -كل على حدة- وهو عكس فكرة اتباع نهج واحد مناسب للجميع المستخدم حاليا في مرافق الرعاية الصحية.

الفروق الفردية دخلت أساليب الطب الدقيق في الممارسة السريرية السائدة في طب الأورام، حيث تختار طرق العلاج وتصمم على وجه التحديد لاستهداف الطفرات الجينية في السرطان.

وفي طب الأورام الدقيق، تطور حاليا تجارب موجهة بالعلامات الحيوية كنهج جديد لأبحاث السرطان. وتعد المعلومات الجينية من السمات المميزة للطب الدقيق نظرا لقدرتها على تفسير الفروق الفردية في إمكانية الإصابة بالأمراض والاستجابة للعلاج. ويمكن التعرف على خطر الإصابة بأمراض معدية معينة من خلال معرفة التغييرات في الحمض النووي للشخص. ومن الأمثلة الشهيرة لذلك طفرة "سي سي آر5 – دلتا 32" المعروفة بإعطائها مناعة ضد فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب (الإيدز)، حتى أشار بعض العلماء إلى أن هذه الطفرة ربما تكون قد وفرت الحماية ضد الطاعون، وهو ما يفسر ارتفاع تواترها لدى الأوروبيين بسبب الفحوصات الإيجابية.

وقد وفرت الأبحاث الجارية حاليا رؤى قيمة حول القابلية الوراثية للإصابة بالعدوى والأمراض الشديدة الناجمة عن  فيروس "كوفيد-19".

واكتشفت عيوب وراثية تؤثر على استجابة الإنترفيرون للعدوى لدى بعض المرضى المصابين بأمراض خطيرة. ومن المعروف أن الإنترفيرونات من النوع الأول تؤدي دورا رئيسيا في الاستجابة المناعية المقاومة للفيروسات خلال المرحلة الأولى من العدوى.

وبالمثل، كشفت دراسة مرتبطة بالجينوم في فرنسا وإسبانيا عن وجود إشارات ارتباط متداخلة في منطقة موجودة على الكروموسوم 3، وكذلك في موقع فصيلة الدم لدى المرضى المصابين بالفيروس الذين يعانون من فشل تنفسي. وقد أكدت هذه الأبحاث نتائج الدراسات غير الجينية التي أظهرت انخفاض المخاطر لدى الأفراد الذين لديهم فصيلة دم من فئة "أو" (O)، مع ارتفاع إمكانية إصابة الأمراض الذين لديهم فصيلة دم من فئة "إيه" (A) بالفيروس بدرجة قليلة.

وبالمثل، تظهر النتائج الأخيرة لدراسة كبيرة أجرتها شركة "23 آند مي" العملاقة للفحوصات الجينية المباشرة للمستهلكين، وجود ارتباط قوي بين فصيلة الدم وأعراض الإصابة بفيروس "كوفيد-19".

وأكدت هذه الدراسة أيضا على وجود ارتباط بين جين موجود على الكروموسوم 3، وهو جين "إس إل سي 6 إيه 20" (SLC6A20)، وارتفاع خطر الإصابة بالأمراض الشديدة.

وعلاوة على ذلك، لاحظ الباحثون العديد من عوامل الخطر التي تستدعي دخول المستشفى لتلقي العلاج من جراء الإصابة بفيروس كوفيد-19، بما في ذلك التقدم في السن، والنوع الاجتماعي، والسمنة، والحالة الاجتماعية والاقتصادية، بالإضافة إلى أمراض الجهاز التنفسي واستقلاب القلب الموجودة مسبقا.

دور ما زال محدودا على الرغم من الأهمية المتزايدة للطب الدقيق في التنبؤ بالأمراض والوقاية منها وعلاجها، فإن دوره في مكافحة فيروس "كوفيد-19" كان محدودا.

وهذا ليس مفاجئا نظرا لأن البيانات الضخمة ضرورية لتطوير نهج قائم على الطب الدقيق، وقد لا يكون جمع مثل هذا الكم الهائل من البيانات ممكنا أثناء الاستجابة السريعة للجائحة.

وقد تمكنت شركة "23 آند مي" من إجراء التحليل واسع النطاق الذي أشرنا إليه من قبل بعد الاتصال بأكثر من 6 ملايين فرد من قاعدة عملاء الشركة للمشاركة في التحليل، حيث شارك مليون شخص فقط في هذه الدراسة.

ولكم أن تتخيلوا النتائج التي كان من الممكن أن تحدث إذا ما كانت البيانات الجينية والسريرية والمعلومات الواردة من الأجهزة القابلة للارتداء لمجموعة سكانية بأكملها قد دمجت بالفعل في السجلات الصحية الإلكترونية بحيث يمكن تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي بسرعة لفهم مخاطر الأمراض.

ويمكن أن يزودنا ذلك برؤى قيمة حول كيفية التعرف على الأشخاص المعرضين للخطر الشديد، ووقايتهم وحمايتهم خلال المراحل المبكرة من انتشار الجائحة. وكان من الممكن أن يسمح ذلك أيضا بوضع إطار عمل أخلاقي لتحديد أولويات تخصيص الموارد عندما تكون الموارد الصحية محدودة. وبعد سنوات من الاستثمار والتخطيط الدقيق، أصبحت قطر من بين البلدان التي تحظى بوضع جيد يمكنها من تنفيذ مثل هذه الإستراتيجية لمواجهة الأوبئة في المستقبل.

وقد أنشأت هذه البلدان مشاريع الجينوم لرصد تسلسل الحمض النووي لجميع السكان. ومع ذلك، تكون القدرة على الوصول السريع إلى البيانات الصحية ذات الصلة وتحليلها في الوقت الفعلي من الأمور الحيوية خلال أوقات الاستجابة السريعة.

لذلك، هناك حاجة ماسة إلى وضع إستراتيجية لتسريع دمج البيانات الجينومية في السجلات الصحية الإلكترونية. ويمكن نشر بيانات المرضى من هذه المستودعات المركزية بسرعة لتحديد مخاطر الإصابة بالمرض عند تفشي الأوبئة. وسوف يساعدنا ذلك في توقع الفئات الأكثر عرضة للخطر بيننا والأشخاص الذين يحتاجون إلى رعاية ودعم مستمرين.

ولا شك في أنه ستكون هناك مخاوف بشأن الخصوصية وصعوبات في عملية الحصول على الموافقة المستنيرة عند تنفيذ مثل هذه الأساليب. ويقع على عاتق الحكومات والمنظمات الدولية والهيئات التنظيمية مسؤولية تطوير طرق مبتكرة للتغلب على مثل هذه التحديات مع الحفاظ على بياناتنا الجينية والسريرية. وقد أظهرت لنا أزمة انتشار فيروس "كوفيد-19" أن الوصول إلى البيانات الدقيقة في الوقت المناسب أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى.

ويجب أن نتذكر دائما أننا يجب أن نكون مستعدين للتعامل مع انتشار أي جائحة في المستقبل بدلا من مجرد وضع افتراضات وتصورات للتعامل معها في حال وقوعها، وأن استجابتنا الشاملة لجائحة فيروس "كوفيد-19" يجب أن تكون مفيدة في استعدادنا للتعامل مع أي جائحة مقبلة.

ويمكن أن تساعد رقمنة خدمات الرعاية الصحية، وتطبيق إجراءات التشخيص الدقيق، والتقييم السريع للمخاطر على نطاق واسع في تخفيف العبء عندما يحدث الأسوأ.

 يشغل الدكتور نادي الحاج منصب أستاذ مساعد بقسم علم الجينوم والطب الدقيق في كلية العلوم الصحية والحيوية بجامعة حمد بن خليفة في قطر.

تعليقات القراء

تعليقات القراء