من هو معاذ الحويطات؟

من هو معاذ الحويطات
2018-08-16
إسراء زيادنة

سماالاردن | في ساحة ترابية محاذية لمبنى بلدية الجفر، نصب أبناء قبيلة الحويطات خيامًا وبيوت شعر كبيرة لاستقبال المتوافدين إلى «بيت أجر» الشهيد الرائد معاذ الدماني الحويطات الذي استشهد يوم السبت الماضي خلال «عملية السلط».

يقف حاتم، الأخ الأوسط عمرًا بين إخوة معاذ الثلاثة، مع أفراد من أقاربه وأبناء عمومته على مدخل بيت العزاء لاستقبال المعزين الذين استمروا بالتوافد حتى ساعات متأخرة من مساء ليلة الأمس لتقديم التعازي.

بتأثر وانفعال عاطفي يصف حاتم علاقته بأخيه معاذ الأصغر بين الذكور: «العلاقات هان بين الإخوان والصحاب مش زي العلاقات بالمدينة، مختلفة كثير».

يقول حاتم الذي يستذكر كرم معاذ ونبله: «معاذ كان كريم مع أنه وضعه عادي كثير، كنت أميل عليه دايمًا، الله يرحمه».

على بعد كيلومترات من صيوان الرجال تجمّعت النساء في منزل حاتم، حيث بيت العزاء الذي تجلس فيه والدة معاذ وشقيقاته وزوجته لتلقي التعازي. معاذ ابن الـ34 عامًا هو الأصغر في عائلته المكونة من أم سبعينية وثمان شقيقات وثلاثة أشقاء، بعد أن توفي والده منذ عشرين عامًا، كما توفي أخ له.

تصف منى شقيقها الأصغر بأنه كان نشيطًا ومحبًا للتنظيم والالتزام: «أي مناسبة بالعيلة نشعر بالفرق إذا معاذ هو رتبها أو لأ، من صغره». يتحدث زياد، الأخ الأكبر بين الذكور والذي يخدم في إدارة الجمارك منذ عشرين عامًا، بفخر عن شقيقه الأصغر معاذ. «الحمد لله إنه الإنسان يموت عشان هدف نبيل»، يقول زياد الذي يصف أخاه بالمتميز بين زملائه منذ أن كان صغيرًا.

ولد معاذ في بلدة الجفر، ودرس في مدارسها حتى أنهى الثانوية العامة من مدرسة الأمير محمد العسكرية للبنين بمعدل 86. «اللي بجيب بالجفر في بيئة صعبة ومهمشة هيك معدل يعتبر متميز جدًا ولّا لا؟»، يقول زياد.

إلتحق معاذ بجامعة مؤتة، وتخرج منها عام 2006. «قايد مراسم وإجا توزيعه على العمليات، كتيبة 71، مكافحة الإرهاب»، يقول حاتم. غادر معاذ الجفر وانتقل للإقامة في الزرقاء حيث مكان السكن الوظيفي المخصص، بحسب شقيقته منى. تلقى معاذ دورات تدريبية عديدة، وانتقل مع قوات حفظ السلام لأفغانستان عام 2010 ثم عاد بعد ستة شهور بمبلغ مالي مكّنه من الزواج من منار عام 2011. «كان يحكيلي لولا هاي السفرة ما اتزوجنا، من وينلي أجيب؟»، تقول منار. ثم شارك مع قوات حفظ السلام مجددًا عام 2013 في الكونغو لستة شهور أخرى. وما بين الخدمتين تلقّى دورات تدريبيّة في البحرين وتايلند وجورجيا. وفي شهر شباط الماضي أصبح قائد فريق في العمليات الخاصة. «لا بيت ولا سيارة ولا أرض وعليه قرض، ولو رحتوا على حسابه بالبنك بتلاقوا 24 دينار»، تقول منار وهي تصف طبيعة حياتها مع زوجها. في منزل صغير لا تتجاوز مساحته 90 مترًا في الإسكان الوظيفي في الزرقاء، عاش معاذ ومنار وطفلاهما، إلياس (ستة أعوام)، وغنى (عامان ونصف). «عمره ما شكى»، تقول شقيقته منى، لكنّ همه الأكبر كان حصول طفليه على مستوى جيد من التعليم، وهو ما دفعه للمباعدة بين الأطفال كي يضمن قدرته على تدريس كلٍ منهما بمدارس جيدة.

حجز معاذ مقعدًا لإلياس في الصف الأول في إحدى المدارس الخاصة بمبلغ 100 دينار، ضمن بها أن يدخل ابنه المدرسة، وكان ينوي المشاركة في دورة تدريبيّة في أيلول القادم، كان من المفترض أن يدفع بقية أقساط المدرسة بمستحقاتها، بحسب زوجته منار. يوم الجمعة الماضي، اجتمع معاذ مع أشقائه في منزل شقيقته في الزرقاء لتناول العشاء، وفي طريق العودة للمنزل تلقى اتصالًا هاتفيًا فهمت منه منار بأنه استدعاء للعمل، قبلها بساعات كان قد أُعلن عن خبر انفجار سيارة تابعة للأجهزة الأمنية في الطوق الخارجي لمهرجان الفحيص.

عاد معاذ فجرًا، وأخذ زوجته وطفليه لمنزلهما في الزرقاء. ظهر السبت تلقى اتصالًا هاتفيًا آخر، خرج على إثره للخدمة مجددًا، وكانت تلك المرة الأخيرة التي شاهدته بها منار.

اتصلت به لاحقًا تسأله عن بعض ترتيبات عزيمة غداء كان يفترض أن يقيمها معاذ ذلك اليوم: «حكالي منار أنا الآن مشغول، إنتِ اتصرفي»، وتوقف بعدها عن الرد على رسائلها واتصالاتها. حضرت العائلة لتلبية العزيمة، دون وجود معاذ. لاحقًا توافدت الجارات على المنزل يسألن منار إذا كانت قد اطمأنت على زوجها، وهو ما استغربته منار.

«مش بالعادة إلهم يجوا هيك ويضلوا يسألوني: اطمنتِ على معاذ؟ بعتي لمعاذ؟». وقتها لم تكن منار تعرف عن عملية السلط، لكن الجارات، وبعضهن زوجات لعسكريين أو عسكريات بحكم الإسكان الذي يعيش فيه الزوجان، جعلوها تشعر بعدم اعتيادية مهمة معاذ هذه المرة. في حدود الساعة التاسعة مساءً، جاءت إحدى الجارات وهي تبكي، تسأل منار إن كان قد اطمأنت على معاذ، «عرفت وقتها إنه صاير له إشي وطلعت ع المدينة الطبية».

شاهدت منار سيارات الإسعاف الداخلة للمدينة. كانت تنقل جرحى قادمين من السلط، كلما وصلت سيارة تتهيأ لأن يكون معاذ في داخلها، ثم راحت تسأل الجرحى من العسكريين إن التقوا بزوجها. أحدهم أجابها بأنه كان معه، لكن تفجيرًا حصل ولا يعلم ما حصل بعدها.

يقول حاتم بأنه في حدود الساعة الثالثة فجرًا «طلّعوا زميله من تحت الأنقاض وسألوه عن معاذ»، فأخبرهم بأن معاذ كان متقدمًا عليه بالدخول للمبنى ومن المفترض أن يكون في المنطقة القريبة منه. لست ساعات، بقيت العائلة في قسم الطوارئ في المدينة الطبية دون أن تبلغهم أي جهة رسمية بشيء عن معاذ، حتى دخلت سيارة إسعاف دون أن تطلق صافرتها الساعة الثالثة فجرًا لساحة الطوارئ. «أنا استغربت، كل السيارات قبل كانوا بصوت عالي، آخر (أمبلنس) دخل على هدوء»، تقول منار. لاحقًا عرفت بأنها السيارة التي نقلت معاذ بعد استخراج جثمانه من تحت الأنقاض.

على باب منزل حاتم، تنهي منى حديثها عن شقيقها الأصغر معاذ بتساؤل «الشهيد الذي يكرّم ميتًا أولى أن يعيش حياة أكرم حيًا، ما في تكريم أكرم من جيّة جلالته، بس وهو عايش قدّم قدّم قدّم وتعب بس كانت حياته ظنك، طب ليش هيك؟».

 

منقول

تعليقات القراء

تعليقات القراء