لیلة شتاء ثلجیة

لیلة شتاء ثلجیة
2019-01-15
حنان كامل الشيخ
إسراء زيادنة

سما الاردن | وصفت الكاتبة حنان كامل الشيخ في مقال لها حالة الاردنيين وهم ينتظرون هطول الثلج وصدق التنبؤات بهطوله  ليسبشروا به خيراً وليحملوا  ذكریات یروونھا للأعوام المقبلة.

وتاليا المقال:

ما یزال أھل الأردن یظنون بالثلج ظن الخیر! یبقون یترصدون أحلامھم الشتویة بأنه ثمة ذكریات سوف یروونھا للأعوام المقبلة، وصور توثق حالات الانبھار المتدرب علیھ، بلحظات مخطوفة من البرد الشدید، والغصات التي تلھب الحلق وآلام صدر من قسوة الصراخ المكبوت.

لحظات لربما تنعش الأمل في النفوس بأن الحاضر أصبح عادلا مع الجمیع، إن كان كلھ أبیض. یستشعر الشباب أطراف البرد القارس من الشوارع وأسطح البیوت، وھم یدخنون السجائر بعیدا عن الغرف المغلقة بإحكام، ویفركون أكفھم الحمراء أمام مواقد الحطب المنسیة على الطرقات.

وتستبشر الصبایا بنفحات الھواء على زجاج النوافذ ویمحین بسرعة البرق حروف الأسماء المخبأة تحت لفحات الصوف یدویة الصنع، كن قد رسمنھا في غفلة عن الأھل المشغولین بأشیاء شتویة أكثر.

تنعقد الآمال حول فرن المطبخ، للأسر المحظوظة التي ما تزال تملك رفاھیة الاختیار ما بین طبقین وأكثر، ولا تغیب عن الأسر الأقل حظا، تحبس أنفاس صغارھا حتى الیوم، رائحة الشاي الساخن في الأباریق المعدنیة. وتبدأ الكتابات بالمیلان قلیلا نحو الحب والشوق والشغف.

وتخف حدة ألوان الصور، لتتواءم مع بیاض قادم یمحو ذاكرة الخطوط الغامقة. على الرغم من قسوة البرد ھذا العام، وغرور محطات التزود بالوقود ودكاكین الغاز، إنما في النفس ھفوة إلى ما یزیح ھذا الضباب بعیدا ولو لساعات، یتسابق فیھا الناس لإعلام الآخرین بأن الثلج ھا ھو على أبواب بیوتھم التي لا تدفأ لھا حیطان أبدا. یحتارون في زوایا تصویر كاسات الشاي بالمیرمیة، وكیف لھا أن توصل الرائحة إلى الشاشات.

یتسابق الأھالي في التقاط ھفوات صغارھم وھم یتعثرون في البیاض، وفي خلفیة الفیدیوھات ضحكات أو شتائم، غیر مھم. المھم أن نرصد الذكریات ونعید استجلابھا كل عام ونحن نضحك! ما یزال أھل الأردن یعتقدون في العطل جدا! ویتحینون لحظة الھطول الكثیف، لیطالبوا بتعطیل المدارس والجامعات والعمل، خوفا من الانزلاقات.

وھو خوف مرتب محفوظ عن ظھر قلب، بدون أن یجربھ غالبیة الناس لكنھم یستأنسون بتذكیر الدولة به، لیبقوا ذلك النھار في البیوت، لا یفعلون شیئا أكثر من البحث عن دول أخرى یداوم فیھا البشر، في عز الھطولات الثلجیة، ویعایرون الآخرین بھا! لربما تكون ُسنة طیبة تلك التي یسترق فیھا الأردنیون ساعات للطمأنینة والدفء البیتي، المعجون بلا شك بمناوشات الكبار والصغار، وطلبات كسولة لا تنتھي، ومكائد عائلیة سخیفة فقدت مكانتھا منذ سنین، بعد أن انشغل كل فرد من الأسرة بجھازه وھو محني الظھر.

إنھا فرصة إذا لیرفع الجمھور رأسه ھذه المرة، باتجاه وجوه مألوفة ألیفة وجمیلة، یتبادلون فیھا ما شاھدوه للتو على مواقع التواصل، ویتنافسون في الأسباق الخبریة والنكات والفیدیوھات، والتي جمیعھا سوف تنطفئ مع بزوغ النھار الجدید، فلا تعود ذات قیمة أو أثر بعد انقضاء لیلة شتاء ثلجیة. وبالمناسبة، ففي ھذا النھار التالي المشمس، یتجلى خطر الانزلاقات التي كانوا قد ثرثروا بھا مساء أمس!

تعليقات القراء

تعليقات القراء