سر الغضب من نتائج “التوجيهي”

سر الغضب من نتائج “التوجيهي”
2019-07-30
m.z

سما الاردن | بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي لن تهنأ أي حكومة في الأردن مهما فعلت ومهما قدمت، والموقف من نتائج “التوجيهي” دليل ومؤشر على ذلك.
انتقادات شعبية معظمها لا يتسم بالعلمية والمنهجية لأن معدلات “التوجيهي” عالية بشكل لافت، فهناك طالب حصل على العلامة الكاملة 100 %، وتسعة آخرون حصلوا على معدل 99.9 %، فيما بلغت نسبة النجاح 58.3 % من مجموع 159194 تقدموا للامتحان.
لم أفهم بصراحة سر الغضب والتحشيد الشعبي عبر “السوشيل ميديا” ضد نتائج “التوجيهي”، هل يعتبرون المعدلات العالية دليلاً على مؤامرة حكومية على التعليم، أم خطة لتحسين شعبيتها، أم مؤامرة أبعد من ذلك لإلهاء الناس بالنتائج لتمرير صفقة سياسية وسط حالة الفرح، أو توجه لتنفيع وتسهيل قبول الطلبة بالجامعات الخاصة بعد قرار دول خليجية عدم ابتعاث طلبتها إلا لبعض الجامعات الحكومية؟
مرة أخرى بصراحة لم أفهم “جريمة” وزير التربية والتعليم حتى تنهال كل هذه الانتقادات، واستكمالاً للأسئلة هل تهاونت وزارة التربية فوضعت أسئلة للامتحانات واضحة وغير “تعجيزية”، أم تهاونت في التصحيح وإعطاء العلامات؟
لو كانت معدلات “التوجيهي” هذا العام متدنية، ونسبة النجاح متراجعة لما سلمت وزارة التربية والحكومة من النقد والاتهام، لتصدى البعض مندداً بـ “المؤامرة” لإحباط الطلبة وضرب الروح المعنوية لهم، ووضع أسئلة تعجيزية، أو من خارج المنهاج كما كان يحصل في أعوام كثيرة سابقاً.
سعدت بنجاح الطالبات والطلبة وبفرح أهاليهم، ولا أشكك لحظة بالنتائج والجهود التي تبذلها الوزارة، ولكنني ما أزال أطالب بإلغاء “التوجيهي”، وتغيير فلسفة التعليم، وآليات قياس قدرات واتجاهات الطلبة، وعدم ربط نجاح ومستقبل الطلبة بامتحان يجري بعد 12 سنة من الدراسة، ويعتمد في الغالب على الحفظ، ولا يعطي مؤشرات كافية على اهتمامات وأولويات الطلبة واتجاهاتهم الإبداعية.
كل عام بعد التوجيهي يزداد قلقي على مستقبل التعليم في بلادنا، فاليوم نجح بالثانوية العامة 77724 طالباً وطالبة، وأكثر من 50 ألفاً سيلتحقون بالجامعات حكومية وخاصة، وخارج البلاد إذا لم يكن العدد أكثر، والسؤال بعد 4 سنوات كيف سيجدون عملاً، وكيف ستتعامل الدولة مع تزايد عدد العاطلين عن العمل، خاصة أن الغالبية تذهب لدراسة تخصصات راكدة ومشبعة، والتعليم العالي لا تضع خططاً ملزمة لأولويات التعليم العالي متفقة مع مسارات سوق العمل؟
ما يجب أن يقلق الناس منه وينتقدوه أزمة ومستقبل التعليم في الأردن، بعد أن تراجعت تنافسيته وسمعته وكفاءة خريجيه، ما يجب أن ينتقدوه ويطالبوا بخطة عاجلة للتعامل معه “تفريخ” الجامعات والتخصصات، وفتح الباب لكل الطلبة ممن يحصلون على معدل فوق 60 % وأحياناً أقل للقبول في الجامعات بالدراسة الأكاديمية.
لو كنت مكان وزير التربية والتعليم العالي لاشترطت لدراسة أي تخصص امتحان قبول يظهر معارف ومهارات الطالب في التخصص الذي يريده، فحتى لو حقق علامة 99 % فهذا لا يعني أبداً أنه سيكون طبيباً مبدعاً، وكيف نقبل أن يدرس طالب هندسة عمارة مثلاً وهو لا يعرف الرسم ولا يملك أي مهارة فنية، وأيضاً كيف نقبل أن يدرس طالب الصحافة والإعلام وهو لا يتمكن من كتابة فقرة بشكل إبداعي، وذو شخصية ضعيفة، ولا يملك مهارة الحوار؟!
العلامة ليست الفيصل بقدر أهمية المعارف والمهارات، ولهذا فإن الوزير مُطالب بخطوة جريئة على غرار أكثر دول العالم المتحضر، حيث يحددون إبداع الطالب مبكراً ويزيدون “الجرعات” التعليمية التي تتوافق مع احتياجاته لتظهر مواهبه ومهاراته.
العالم يذهب للتعليم المهني والحرفي ويتراجع الاهتمام بالمسارات الأكاديمية، ونحن بحاجة ملحة لتعزيز هذا التوجه شريطة أن تكون لدينا كليات وجامعات تؤهل الطلبة والطالبات بالتعليم المهني، ولا تقل مكانة عن التعليم الأكاديمي، فهل تتذكرون أنه كان لدينا معاهد “بوليتيكنيك” يحترمها المجتمع وتؤهل لسوق العمل.
ارحمونا من الشهادات التي تصبح “كراتين” تعلق على الجدران، وافتحوا جامعاتكم ومعاهدكم لتأهيل فنيين و”صنايعية” مهرة ومحترفين وكما يقال “تلف أصابعهم بالذهب”.

تعليقات القراء

تعليقات القراء