حاويات الفقراء وبطر الأغنياء

حاويات الفقراء وبطر الأغنياء
2019-01-22
حنين العبداللات

سما الاردن | بديهية لا تحتاج الى إعمال فكرلإثباتها، وحقيقة لا يمكن دحضها،ان الغربة في الوطن اشد من غربة الاغتراب فالفقر غربة بين الاهل، وانك بلا ظهر في بيئة باتت المحسوبية ركناً ركيناً يركن اليه المتنفذون تزيد غربتك كُربة ويستولي عليك احساس بانك ابتر.

تراكمات مذلة، تجرجرك بسلاسل قهر مذلة الى جهنم الدنيا. جهنم لا تنطفيء حرائقها على مدار السنة،… الطامة ان كنت تسكن بالاجرة، فانت في ورطة، حيث ان من ليس له بيت في وطنه ليس له وطن. هو في العراء حتى لو كان يسكن في سكن. قانون المالكين والمستأجرين الاخير الذي صاغه ” نواب الشعب “، اذلَّ المستأجرين وجعلهم على مسافة ركلة من قدم ديكتاتورية المُؤجرين. نخب ضحلة، تلاعبت بالبلد، فكانت الكارثة. غالبية ساحقة مسحوقة واكثرية ساخطة معدمة ومعدومة.بيوتها مستأجرة، تكدح ليل نهار لإرضاء المالك وتكد من اجل لقمة مغمسة بالسم. ما يعني بصريح العبارة، اننا نعيش في وطن بالاجرة. مواطن يدفع ضريبة المواطنة في سابقة غير مسبوقة. المستفيد منها نخب باعت مقدرات البلد لافقاره ليكون ارضية جاهزة لهم وفرشة للمخططات الصهيونية. هذه النخب تاجرت بالانتماء، استرزقت بالولاء، استغلت مناصبها حتى آخر قطرة. هي نرجسية تمركزت حول ذاتها، لا تؤمن بمواطن ولا وطن. شلحتنا مالنا وما علينا. لم تترك لنا سوى سراويلنا حياءً من عوراتنا لا شرفاً فيها، ومديونية تعجز بعارين العربان مجتمعة عن حملها.

الوليمة !!!

 وليمة فاخرة اولمها ” مقاول سياسي “، على شرف عدد من علية القوم و اكابرها الكبار، لا يتجاوز عددهم دزينة او ازيد قليلا. أُطيح فيها بثلاثة خراف بلدية مربربة. زينت رؤوسها المشرئبة للاعلى المناسف، فاغرة الافواه كأنها تلعن من ذبحها. دُس فيها عروق البقدونس لتخفيف بشاعة اسنانها ـ وربما لإخراسها كي لا تنطق بكلمة نابية. الخراف المكتفة بادبٍ جمٍ فوق كثبان الارز و اكوام الصنوبر المرشوشة مع اللحم الناعم، تثير حتى شهية المحكوم بالاعدام و تُعيد الذاهب للانتحار الى صوابه.قبل “جريمة الاكل” هذه، كان الضيوف ” المحترمون”  يتبادلون النكات البذيئة، النميمة السياسية، يستعرضون آخر اخبار الفساد، بانتظار إشارة الهجوم على اللحوم. عندما اكتمل نصاب الحضور، اطلق المُضيف صافرة البدء، فانسلوا الواحد تلو الآخر ليأخذوا مواقعهم الاستراتيجية.

دون بسملة وبلا رحمة، انقضوا ينهشون الخرفان، وكأن ثأراً بينهم وبينها،وقد اسقطوا الرز من حساباتهم. ما اثار العجب، انهم حسموا ” المعركة المنسفية” في فترة وجيزة وكأن الوطن في مجاعة. الملاحظة انهم لم يتركوا الخراف الا هياكل عظمية، ثم واصلوا زحفهم المقدس الى الحلوى اللذيدة، لدرجه ان بعضهم، شعر بضيق تنفس، لكثرة ما ازدرد من طعام، اما ” كبير القعدة ” فقد استعان بـ ” بخاخ يدوي” لفتح قصباته الهوائية لضغط المعدة على القلب والرئة. ما زاد البلاء بلوى احتساءهم حسوات من زجاجات ” منكر”  مستوردة علامتها الفارقة : رجل يرتدي تنورة قصيرة يتوكأ على باكورة.

عند مغادرة ذوو الربطات الحريرية ساحة المعركة، اخذت المناسف طريقها الى اقرب حاوية في تلك المنطقة الراقية. في تلك الساعة كانت البرودةى قارسة، فيما ابو درويش العارف باحوال حاويات الاثرياء، لطول خبراته بالمواقع الدسمة، وحدسه الذي لا يخيب بتوقيت الحفلات من كثرة السيارات وكثافة الاضواء، يتلطى في زاوية مطلة على المشهد، كـ ” كلب اثر ” ينتظر الانقضاض على الطريدة / الحاوية التي ستفيض الليلة بطعام المترفين البطرانيين، ومحدثي النعمة. ولما سكنت حركة الشارع، تسلل بخفة، وراح يملأ جرابه بما انعم المنعمون على الحاوية، ليطعم زوجته واولاده.

مشهد، يختصر التناقضات الصارخة بين من يحلبون الوطن في دلائهم المثقوبة و من لا يجدون اللقمة…هنا نسأل و نتسآءل: اما آن لهؤلاء النظر في مرآة ضمائرهم ليروا المفارقة الجارحة: كروش متهدلة، اطباق ساخنة، سيارات فارهة، قناني “منكر” ثمينة، على الطرف الآخر: بطون ضامرة، وجوه مصفرة، ومعدمون يشترون الكاز بالقنينة.

تعليقات القراء

تعليقات القراء