حادثة “المقام” تطرح سؤال السياحة الدينية

حادثة “المقام” تطرح سؤال السياحة الدينية
2019-08-04
فهد الخيطان
m.z

سما الاردن | لن تنتهي المشكلة بإغلاق المقام “مقام النبي هارون”، فبعد حين ستجد السلطات المختصة نفسها مضطرة لاتخاذ قرار نهائي بهذا الخصوص. وربما تكون الحادثة الأخيرة التي أثارت جدلا واسعا، مناسبة لوضع تعريف دقيق لهوية المقامات والأضرحة في الأردن.
أنصح هنا بالعودة إلى مقال الصديق الدكتور باسم الطويسي في عدد يوم أمس من صحيفة “الغد” وعنوانه “مقامات الأنبياء وتسييس الدين الشعبي” لما يمثل من أرضية فكرية يمكن البناء عليها لإنجاز مسودة سياسة لهذا الغرض.
ثمة التباس كبير لدينا في تحديد المفاهيم المتصلة بهذا الركن التاريخي، فبينما نشدد على إدراج المقامات والأضرحة تحت باب السياحة الدينية، إلا أننا نرتبك في تعريف حق أصحاب الديانات والمذاهب والفرق بممارسة طقوسهم الدينية في تلك المواقع، ولنا في أضرحة الصحابة الكرام في المزار الجنوبي خير مثال. وقد واجهنا نفس السؤال فيما يخص المواقع التي يزعم اليهود أن لها صلة بتاريخهم الديني في المنطقة.
المسألة باعتقادي تتصل بالموروث الديني والشعبي وبالسياسة أيضا، بدليل أن الأردنيين لا يعترضون أبدا على قدوم الحجاج المسيحيين من الخارج لأداء طقوسهم الدينية في موقع مغطس السيد المسيح، لكون المسيحيين جزءا أصيلا من النسيج الاجتماعي الأردني والعربي.
النفور العام من مشاهد التعبد اليهودية يعود في أصله إلى الموقف العام من إسرائيل كدولة احتلال وعدو تاريخي في نظر الأغلبية الساحقة من الشعوب العربية. والقلق الأردني العميق من أطماع صهيونية تاريخية بمناطق في بلادنا، خاصة جنوب المملكة.
وبفعل عوامل سياسية ومذهبية مغايرة نشأ قلق أيضا من أي مظاهر دينية عند مقامات الصحابة في المزار الجنوبي.
عمليا السياحة ببعدها الديني في الأردن تقتصر على المسيحيين حول العالم، وبخلاف ذلك يدخل في قائمة المحظورات.
علينا إذا أن نضع تعريفا جديدا لمواقع السياحة التاريخية في الأردن، وقواعد واضحة تحكم حركة الأفواج السياحية.
ما فهمته من تصريحات المسؤولين بأن زيارات المجموعات اليهودية المتدينة لمقام النبي هارون وغيره من المواقع قائمة منذ مدة طويلة، مع ملاحظة أن السلطات الرسمية لم توفر الظروف الملائمة لوصول تلك المجموعات للمنطقة الوعرة التي يوجد فيها المقام، وظل الوصول إليها مشقة تتطلب السير على الأقدام والاستعانة بالدواب.
لكن بسبب غياب المعايير الواضحة، وعدم اكتراث الحراس بسلوك الزوار، تحول المقام إلى موقع لإقامة الصلوات اليهودية. بما أن القرار الرسمي والتوجه الشعبي هو عدم السماح بمثل تلك الطقوس، ينبغي إعادة تعريف هذه المواقع كأماكن تاريخية وأثرية يحق لمن يرغب بزيارتها دون أن يسمح لأحد بممارسة أي طقوس دينية فيها، لأنها ببساطة ليست أماكن عبادة، وليس مصرحا إقامة تقاليد دينية فيها من أي نوع. 
لا أميل لتبني السياق الديني في التعامل مع التحديات، لكننا في الشرق الأوسط نغرق بصراع الهويات ولن نغادره في وقت قريب، ولا سبيل للصمود سوى المحافظة على هويتنا.

تعليقات القراء

تعليقات القراء