جولة في (الأردن) برفقة (وصفي)

جولة في (الأردن) برفقة (وصفي)
2021-11-27
سهير جرادات
ن.ب

سما الاردن | في الليلة الظلماء يُفتقد ( البدرُ )، فزعت على وقع خبطات (ملهوف )، أسرعت لفتح الباب وإذ بـ (وصفي)  يضع على رأسه وكتفيه (الكوفية ) الأردنية (الشماغ) ذات اللون الأحمر والأبيض اللذين هما من معاني ( الأردن ) اضافة الى انهما يحاكيان سنابل القمح، التي كانت تزرع في ( سهول حوران ) المتميزة بـ( التربة الحمراء ) حتى عرفت ايام الرومان بـ ( خزان القمح ) ، وبقيت تزرع به حتى الستينيات من القرن الماضي قبل أن تتحول الى غابة اسمنتية.
وبصوت ( أجش ) طلب مُرَافَقته  بجولة في ( الأردن ) ، وطلب أن نتوجه الى (مشروع سد الملك طلال ) الذي ساهم في استصلاح الأراضي الزراعية في منطقة الأغوار الوسطى ، والى ( مشروع قناة الغور الشرقية ) الذي هدف لنقل مياه نهري الأردن و اليرموك لري المشاريع الزراعية في منطقة الاغوار الشمالية .. عندها تلعثمت في كلامي وانا أبلغه الاعلان عن جفاف سد الملك طلال من المياه ووصل مرحلة حرجة لإنتشار الطمي الذي يقلل كمية المياه المخزنة في السد، وهو أمر كارثي على مزارعي وادي الأردن ، فيما انخفضت مستويات المياه في عدد من السدود ، وقبل ( أيام) وقَّع الأردن مع الاحتلال والامارات ( تفاهمات ) لمشروع مشترك للطاقة والمياه ، كما أعلن اعلام الاحتلال ، ودون علم الشعب وممثليه!!؟؟
بعد فترة صمت ، دعاني للذهاب الى أول صرح علمي في الأردن (الجامعة الأردنية) ، التي تأسست خلال حكومته الأولى عام 1962 ، وقبلها نتوقف عند (جريدة الرأي) التي تم إنشاؤها خلال حكومته الثالثة لتكون الناطقة باسم الدولة الأردنية ..اجبت بصوت ( منخفض )  ( الرأي ) مهددة بالإفلاس ، وتعيش أزمة مالية خانقة ، أثاثها نقل بالشاحنات و بيع بالمزاد العلني ، هيكلت وصحفيوها بلا رواتب ، وأصبحت تنطق للحكومات وليس للدولة  .. أما ( أم الجامعات ) فحالها حال جميع الجامعات الحكومية والخاصة ( في تراجع ) ، حتى تم الغاء اعتماد عدد منها لدى دول الخليج .
ساد الصمت ، ثم طلب أن نتوجه الى ( مستشفى عمان الكبير ) التي صدرت الإرادة الملكية بإنشائه في 1/1/1971، والذي تحول فيما بعد الى أول مستشفى تعليمي عرف باسم ( مستشفى الجامعة الأردنية ) ، وعرجنا في طريقنا لنشاهد مشروع تطوير حكومتي لـ(مستشفى الأشرفية ) الذي كان اسمه ( المستشفى الجراحي ) وأصبح لاحقا ( مستشفى البشير ) .. ووجدت نفسي ابتسم خجلا وانا ابلغه أن الطب تراجع والاخطاء الطبية في ازدياد ، والقطاع الطبي  يعاني ضغط المراجعين ، ونقص الكوادر الطبية والتمريضية، وفقدان الأدوية. 
بسرعة طلب ان نتوجه الى شركتي ( الفوسفات ) و (البوتاس ) ، التي جاء إنشائهما بمبادرة منه .. وبالسرعة ذاتها جاءت إجابتي بأنهما خضعتا الى (مبضع ) جراحة ( الخصخصة )!!؟؟
قاطعني لنتوجه الى ( التلفزيون الأردني ) الذي تم إطلاقه ومحطة الأقمار الصناعية في ايام حكومته الثانية ليكمل مسيرة الإذاعة الأردنية التي انطلقت  من مدينة رام الله ، الى ان انشئت ( محطة اذاعة عمان ) في منطقة جبل الحسين، بغرفة كانت ترهب اعداءنا قبل ان تنتقل الى أم الحيران .. بادرت بالإجابة : تراجعت ، و( تقوقعت ) وأصبحت ( تُسمع ) محليا فقط .
وفورا طلب ان نتوجة الى ( الطريق الصحراوي ) ، الذي تم في عهد حكومته، لربط الشمال بالوسط مع الجنوب وصولا لمدينة العقبة ، بهدف زيادة الصادرات والواردات ، وأكمل ...لنشاهد  الى أين وصل ( مشروع استصلاح الأراضي الزراعية ) في الصحراء الأردنية .. اجبت مسرعة : تقصد (طريق الموت ) الذي يستنزف أرواح الأردنيين ، بسبب بنيته التحتية المتآكلة المتهالكة.. واضفت الواقع الزراعي مؤلم ، والخسائر السنوية للمزارعين في ازدياد والديون بارتفاع ، لغياب الاستراتيجية الزراعية ، والممارسات التي تهدف الى تدمير القطاع الزراعي لصالح الاحتلال ، ولسيطرة ( بضع ) اشخاص على الزراعة ، و على التصدير الزراعي .
بدد الصمت ، الذي ساد للحظات ، بسؤال : ما وضع ( الأحزاب ) ؟ فأجبته : عن أي أحزاب تتحدث ؟! أجاب : أنشأت حزب الاتحاد الوطني ليكون نواة للحياة السياسية والحزبية في الأردن ، وأوعزت بحرق ( السجلات الأمنية ) للعديد من السياسيين والحزبيين، وأعدت اللاجئين السياسيين إلى الأردن.. أجبته : ينظر (حاليا) مجلس النواب مشروعات التعديلات الدستورية وقانوني الانتخاب والأحزاب !! وهي مخرجات لجنة ملكية شكلت لإزالة الفكر السائد عن الحياة الحزبية في الأردن .
عاد الصمت مجددا ونحن نسرد مسيرة الوطن ( المتراجعة ) ، وطالت مدته ، وهو مندهش مما سمع، ثم سأل وبصوت مرتجف: وماذا بشأن ( القضية الفلسطينية ) ؟ قاطعته ، لم تعد "القضية الفلسطينية" هي القضية المركزية ! ، واغتيلت يوم اغتيالك ، وشهدت أرضنا التي احببتها ودافعت عنها  وضحيت من اجلها.. شهدت توقيع اتفاقيات سلم مع ذلك العدو الذي اعترف على لسان رئيس وزرائه ( اسحق شامير ) عندما سئل عن الشخصية العربية التي كانت تهدد الكيان الاسرائيلي ، فقال: "وصفي التل هو الشخصية  العربية الوحيدة  ( الأخطر ) على ( إسرائيل ) ،  لدعوته وإيمانه بالمقاومة الشعبية " .
 عندها فقط نظرت الى عيني ( وصفي ) فوجدته أخذ (يتلثم ) بالشماغ (الحطّة ) ، كما يضعها الأردني في العزاء حتى لا يرى احد دموعه .. وغرس عيونه في ( القضاضة ) الأردنية - عنوان الرجولة والشهامة - ، وتدارى بدموعه وهو يتمتم بكلمات يرددها ( ضاعت ) ، ( ضيعوها ) ، و( ضمنوها ) ب ( الباطن ) للاحتلال ..  عندها أدركت أن ( سيد الرجال) الزعيم والرمز الوطني والشعبي والقدوة (يبكي ) على الوطن وهذا دليل على دخولنا في مرحلة ( الضياع ) ..
 
  آخر كلماته ، كانت وهو ( يلف الشماغ) بتطويقه من تحت الحنك إلى أعلى الرأس، اشارة الى العزم والانتصار والقوة  .. اذ قال: الآن الى ( الكمالية ) لأرقد والألم والحزن يعتصر فؤادي على وطن تراجع واستهدف كما استهدفت مؤسساته على مدار نصف قرن .. ولوح لي بيده بإشارة .. ولنا عودة !!!!!
يا من ترقد في ( الكمالية ) ، أحوالنا ليست كما كانت ..( تراجعنا) ، حتى بِتنا لا نقوى أن نقول نحن بخير
سلام عليك يا (وطني ) ..سلام عليك يا (وصفي) ..

تعليقات القراء

تعليقات القراء