جامعة البلقاء بين منبرين: مسيرة عطاء لا ينتهي

جامعة البلقاء بين منبرين: مسيرة عطاء لا ينتهي
2021-01-31
د. نضال يونس
ن.ب

سما الاردن | لم يكن العام 2002 عاديا في تاريخ جامعة البلقاء التطبيقية كأي عام آخر، إذ عاشت الجامعة والعاملون فيها بمختلف ميولهم وتوجهاتهم سنة عصيبة، وحكاية حالمة، وهم يسابقون الزمن لإعادة بناء منبر صلاح الدين الأيوبي بنسخته الثانية بعد حرقه من قبل المتطرف اليهودي مايكل روهن العام 1969.

انطلقت المشاغل الهندسية في الجامعة في ذلك العام تعمل على مدار الساعة في تنفيذ إرادة صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني بإعادة بناء منبر صلاح الدين الأيوبي على نفس الشكل والتصميم الذي كان عليه عندما صنعت النسخة الأولى منه العام 1168 ميلادي على يد الحرفيين المهرة من دمشق وحلب بإشراف المهندس «الاختريني» الذي عرف ببراعته في صناعة الارابيسك والفن الإسلامي.
على مدى أربعة أعوام نجحت جامعة البلقاء وبمتابعات ملكية سامية حثيثة في إعادة بناء المنبر بتفاصيله المعقدة التي شملت أكثر من 16000 قطعة معتمدة على فنون التعشيق والحفر على الخشب، وتحولت كلية العمارة والفنون في الجامعة الى خلية نشاط متواصل شارك فيه مهندسون وحرفيون من شتى أرجاء العالم الإسلامي، حتى إذا ما انتهى العمل بالمنبر العام 2006 ازاح الملك عبد الله الثاني في حرم الجامعة الستار مؤذنا ببدء عملية إعادة المنبر إلى المسجد الأقصى الشريف.
لقد أثبتت جامعة البلقاء التطبيقية، أن التعليم المهني والتطبيقي في الأردن كما النظري فيه من الحكايات والأحداث ما يستحق أن يروى على مدى التاريخ، وهو ما أهلها مرة ثانية لبناء منبر مسجد الملك حسين العام 2006، ومع نهاية العام 2020 صدرت التوجيهات الملكية لجامعة البلقاء التطبيقية بإعادة بناء منبر المسجد الحسيني في عمان بعد تعرضه للحرق العام 2018 ليكون محاكيا لمنبر صلاح الدين ومجسداً حرص الهاشميون على رعاية المقدسات الإسلامية.
على مدى اربعة وخمسين يوما وأكثر من 5620 ساعة عمل، انطلق فريق كبير من المهندسين والحرفيين الأردنيين في جامعة البلقاء لاعادة بناء ليس فقط المنبر وإنما صحن المسجد الحسيني بالكامل بما في ذلك المنبر والمحراب والواجهات الأمامية والجانبية، فأعيد بناء المنبر بتفاصيله الدقيقة باستخدام ما يزيد على 3 آلاف قطعة خشبية، وتزيين أعمدة المسجد السبعة بأكثر من 1600 قطعة لكل عمود بالفسيفساء المغربي المعروف «بالزليج المغربي» تم إعدادها وترتيبها يدويا، كما واستخدمت النجمة السباعية لأول مرة في زخرفة المنابر الإسلامية..
ولا يبدو أن مروية «المنابر» ستغلق فصولها بمنبر المسجد الحسيني، التي ستظل بحد ذاتها عالقة في الأذهان، بل أكاد أجزم أن جامعة البلقاء قادرة على كتابة فصل جديد، فقد حرصت إدارة الجامعة على تنفيذ الأمر الملكي ليتزامن بافتتاح المسجد الحسيني بمنبره ومحرابه وأعمدته الجديدة تحت رعاية ملكية سامية ممثلة بسمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني مع انطلاقة احتفالات المملكة بالذكرى الأولى لمئوية الدولة الأردنية، مؤذنة ببداية لمئوية ثانية حافلة بالعمل والانجاز على غرار أول مشروع عمراني قام به الملك المؤسس العام 1921.
جامعة البلقاء التطبيقية لم تدخل الى عالم الفن الإسلامي لتكون عابرة سبيل، ومجرد شاهد عيان على صناعة المنبر الإسلامي، بل لتكون من صناع أحداثها، ولتقول للعالم بصوت مجلجل:
من منبر صلاح الدين إلى منبر المسجد الحسيني مرورا بمنبر الملك الحسين، سنبقى في جامعة البلقاء حراس التاريخ فليشرع المجد أبوابه..

تعليقات القراء

تعليقات القراء