تقبل النقد جزء من طبيعة العمل العام بعيدا عن كسب الشعبوية

تقبل النقد جزء من طبيعة العمل العام بعيدا عن كسب الشعبوية
2022-01-31
ن.ب

سما الاردن | خليل النظامي

سادت في الآونة الأخيرة "السلبية السوداء" على نمطية مخرجات الكثير من مستخدمي ورواد منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، ما شكلت فوضى وعشوائية كبيرة في ساحة الرأي العام، ضاربة بـ عرض الحائط منظومة الأخلاق، وثقافة الحوار العام، والتخصصية في تشخيص وتحليل وعلاج القضايا التي يشغل بها الرأي العام الأردني.  كما أن السلبية لم تقتصر على ردود أفعال المواطنين على القرارات الحكومية أو الظواهر الإجتماعية فـ حسب، بل تجاوزت ذلك بكثير حتى وصلت لـ دائرة "الشتم والذم والتحقير" بـ كلمات وأوصاف بذيئة لم تكن موجودة يوما في قاموس الأردنيين، اضافة الى فلسفة جديدة ظهرت علينا مؤخرا لا نعلم مصدرها إن كان "داخلي أم خارجي" هدفها الإطاحة بثقل ووزن المناصب الحكومية والسيادية وجعلها مناصب هلامية لا وزن لها في أذهان المواطنين وعرضه لـ النقد الهدام والمسيء من قبل فئات مجتمعية وصفحات وهمية عبر المنصات الإجتماعية تبث السوداوية من الخارج والداخل.  هذا ما حملته رسالة جلالة الملك عبدالله الثاني المعظم بـ الأمس بـ التأكيد على "أهمية استعادة مساحات الحوار العام، والتصدي لـ محاولات ضعاف النفوس في بث السلبية والإحباط وزعزعة الثقة في المجتمع والوطن"، الأمر الذي يجب علينا جميعا التوقف عنده وتشخيصه بشكل جاد، وتحليله ضمن الأطر العلمية والمنهجية الصحيحة، ومعالجته بـ فلسفة تتفق مع الجميع على طاولة حوار عام تتصف بأخلاق الأردنيين وهويتهم.  "السوداوية" ثقافة دخيلة على المجتمع الأردني.. ولسنا هنا في معرض لـ الحد من ممارسة المواطنين لـ حريتهم عبر منصات التواصل الإجتماعي، ولكن القاعدة العامة في جميع مجتمعات العالم تقول  : "أن وجود الحرية المطلقة ضرب من الخيال، وأن الحرية يجب أن تكون مسؤولة ومنضبطة في نمطية مخرجاتها من الناحية الأخلاقية والأدبية والقانونية"، فالإساءة لـ مسؤول حكومي أو لـ مؤسسة حكومية أو لـ مواطن بغض النظر عن شريحته، أمر خارج عن إطار الحرية المسؤولة والمنظومة الأخلاقية والقانونية، ولا يوجد إنسان على هذا الكوكب يتقبل الإساءة الشخصية بـ كل صدر رحب.  فـ هذه المخرجات "السوداوية" التي نرصدها بشكل يومي عبر المنصات المختلفة لم تكن يوما جزءا من تاريخ وثقافة الأردنين، كما أنها لا تعبر بنفس الوقت عن الصورة العامة لـ المجتمع الأردني، الأمر الذي نستنج منه أنها ثقافة "دخيلة" على الأردنيين إن كان اساسها بـ "الأصل أردني"، خاصة بعد نشر العديد من مراكز الدراسات والأبحاث والعديد من التقارير الحكومية والاعلامية حول مصدرية هذه المخرجات عبر منصات التواصل الإجتماعي، والتي أكدت أن معظمها موجه من الخارج لـ يستدف الداخل المحلي ويعمل على تحفيز المواطنين على سلوكيات خارجة عن منظومة الحرية المسؤولة في التعبير عن الرأي إزاء القضايا العامة، بهدف زعزعة الأمن الإجتماعي والإستقرار السياسي وضرب المكونات العامة بعضها ببعض ونشر الفتنة. 

على المسؤول تقبل النقد البناء .... وبـ نفس الوقت وفي الجهة المقابلة لـ السوداوية المنتشرة عبر منصات التواصل الإجتماعي حملت رسالة جلالة الملك عنوان "النقد المباح" ونشر ثقافة وفلسفة النقد الموضوعي الذي يصب في المصلحة العامة، واصلاح المشاكل ومعالجة التحديات والصعوبات من خلال نقد يحمل حلول واقتراحات وخطط وبرامج تساعد المؤسسات الحكومية والخاصة على التقدم والازدهار، بعيدا عن النقد الذي يهدف الى كسب الشعبوية ويقدم المصلحة الفردية على المصلحة العامة.  فـ هناك الكثير من المسؤولين لا يتقبلون النقد سواء كان موضوعي أم غير ذلك، ومنهم المتمسك برأيه ولا يتصف بـ مرونة منهجية التشاركية مع الآخرين في حل القضايا والتحديات، الأمر الذي يجعله عقبة في مسيرة التنمية والإصلاح الشاملة، فـ المنطق والعلم يقولان أن التشاركية من أبرز عوامل النجاح في المنظومة الإدارية والتفرد بـ الرأي حتما نتيجته الفشل إداريا.  وهذا ما أكد عليه الملك بـ رسالته لـ جميع من يجلسون على كرسي المسؤولية بـ ضرورة تقبل النقد الموضوعي المتخصص من قبل المواطنين وباقي المكونات، والعمل على ودراسته وتحليله والأخذ به في حال كان صائبا، مؤكدا على أنه لا مكان بيننا لمسؤول يهاب اتخاذ القرار والتغيير الإيجابي، أو يتحصن وراء أسوار البيروقراطية خوفا من تحمل مسؤولية قراره، مشددا على أن من واجبنا أن نوفر الحماية والدعم لكل مسؤول يتخذ القرارات الجريئة ويبادر ويجتهد، طالما أن قراراته تنسجم مع القانون ولا تعود عليه بمنافع شخصية.  كلما توافرت المعلومة قلت مساحة الإجتهاد....  أما التصدي لـ الشائعات والأخبار الكاذبة والمعلومات الزائفة، فهذا أمر يتطلب من الحكومة معاملة ملف "الإعلام" ومنصات التواصل الإجتماعي بشكل أكثر حرفية وجدية عن ما هو عليه حاليا، فـ كلما توافرت المعلومة تقلصت مساحة الإجتهاد، وكلما غابت المعلومة زادت مساحة الإجتهاد والمعروف إعلاميا أن مساحة الإجتهاد تربة خصبة لـ كل من يبحث عن بث السموم والأخبار الكاذبة والمعلومات الزائفة.

وهناك تقصير واضح في العديد من المؤسسات والوزارات الرسمية في سرعة الإستجابة مع وسائل الإعلام والصحفيين لـ تجاوز الأزمات التي تنتقل بسرعة كبيرة جدا وتتافقم وتتمدد أفقيا وطوليا عبر منصات التواصل الإجتماعي في ظل غياب المعلومة الحقيقية من مصدرها الرئيسي، الأمر الذي يحتم على هذه المؤسسات إعادة النظر بـ علاقتها بـ وسائل الإعلام والصحفيين وفلسفة التعامل معهم من حيث سرعة الإسجابة وتوفير المعلومة.  وهذا ما أكد عليه جلالته في رسالته التي أكد فيها على أننا لن نجد الحلول إن بقينا في دوامة لوم وتشكيك وتغييب للحقائق والمنطق والعقلانية، ولن نخرج من هذه الدوامة إلا بشراكة حقيقية بين الحكومة والمواطنين للتصدي للإشاعات والأخبار الكاذبة والمعلومات الزائفة. 

تعليقات القراء

تعليقات القراء