تحقيق صحفي يكشف كوارث في مستشفى البشير.. صور

تحقيق صحفي يكشف كوارث في مستشفى البشير.. صور
2020-10-26
ن.ب

سما الاردن | مرضى في كل زاوية من القسم، مستلقين على الأرض أو جالسين على مقعد، غير مدركين ما يحدث لهم، فاقدين لوعيهم، بعضهم يأنون بصمت، والبعض الآخر صراخاته تقشعر له الأبدان من شدة الألم، بينما مَن معهم من أهلهم يستنجدون بأي طبيب، أو ممرض يمر من أمامهم، عيونهم تترقب المخلّص لوجع محبيهم، وفي أعينهم نظرات تساؤل، ماذا بعد؟ يترقبون مصير من معهم بحرقة عاجزين عن إنقاذهم، يلعنون العوز وقلة الحيلة، يقول أحدهم بنبرة قهر : “لو معي مصاري بظل استنى هون! كنت عالجته بمستشفى خاص..”. 

قامت حياة اف ام بجولة في مستشفى البشير ، وتحديدا في قسم الإسعاف والطوارئ، ورصدت معاناة المرضى من عدم توفر العلاج اللازم لهم، وقلة الاسرّة داخل القسم، وعلى الطرف الآخر الضغط الكبير الذي يواجهه الأطباء والممرضين في متابعة وتقديم الرعاية الصحية للمرضى، نتيجة عدم توفر الأجهزة الضرورية، ونقص الكوادر الطبية في هذا القسم. 

من أول وهلة لدخولك للطوارئ تُصدم من هول الاكتظاظ الكبير والصراخات الناتجة عن الألم، والشجارات بين أهالي المرضى والأطباء بين الفينة والأخرى، ووجود مرضى الكورونا بين مرضى القلب والعمليات الجراحية والأمراض الأخرى، دون اتباع أدنى تعليمات السلامة والفصل بين مرضى الكورونا والأمراض المزمنة في غرفة لا تتجاوز مساحتها 9م. 

اسرّة غير متوفرة 

 لمحنا خلال جولتنا في نهاية غرفة قسم الإسعاف والطوارئ، أبو حمزة (56) عاما جالسا على الأرض، يعاني من التهاب حاد وضيق في التنفس لا يقدر على الكلام، وترافقه زوجته التي أشارت إلى تواجدهم في هذا القسم من يوم الخميس الماضي، الموافق 23 من شهر تشرين الأول/أكتوبر، مشيرة إلى معاناته لأمراض القلب والضغط والسكري، بصعوبة تامة يقول أبو حمزة: “قبل دخولي إلى هذا المستشفى كنت أعاني من نقص في الأكسجين بنسبة 92%، لكن بعد دخولي انخفضت نسبة الأكسجين ليصبح 72%، ولا أستطيع التنفس". 
وتشير زوجته أنها حاولت نقله إلى مستشفى آخر ولكن لا يوجد اسرّة لدخوله في مستشفى البشير أو في أي مستشفى آخر، وتتنهد بحرقة قائلة: “ طريقنا مسدود لا أعلم أانتظر حتى يتوفر سرير أم نغادر المستشفى، فمن المفترض أن يأخذ علاجه من مضادات حيوية، لكن في قسم الطوارئ لا يتم توفير ذلك مشيرين إلى ضرورة إدخاله إما لقسم الباطنية أو الصدرية قبل أي إجراء".  

وعلى مقربة من أبو حمزة، كانت أم أحمد (46) عاما تأن بهدوء دون أي حركة، على سرير وُضع في مدخل القسم، ويحيطها عدد من أفراد عائلتها، لتخبرني ابنة أخيها أن عمتها أُدخلت إلى قسم الإسعاف والطوارئ في اليوم الموافق 21 من شهر تشرين الأول/أكتوبر، وإلى اليوم وضعها يسوء بسبب تعرضها لنزيف في الدماغ، منوهة أن لا أحد من الأطباء أخبروهم عن حالة عمتها الحرجة، ولم يستطيعوا إدخالها لقسم (ICU) لعدم توفر اسرة، قائلة: “أخبرونا الأطباء أن هناك 33 حالة تنتظر إدخالها لغرفة العناية الحثيثة، لذلك لا يوجد لدينا  أي حل آخر سوى الانتظار معهم، إلى أن يتوفر سرير لإدخالها، متخوفة في نفس الوقت من إصابة عمتها بفيروس كورونا نتيجة وجود حالات داخل القسم ومخالطين لمرضى الأمراض المزمنة، نحن في بيئة يتوفر فيها الفيروس واحتمالية إصابتنا به كبيرة جدا".  
 
نقص الأجهزة والكوادر الطبية..وعبء الكورونا

 "التزموا بالتعليمات بالله عليكم، في حالات مصابة بالكورونا ، مشان صحتكم ومشان أهلكم" بهذه العبارات ينبّه الطبيب المختص بالإسعاف والطوارئ الدكتور أنس أبو السعود المرافقين للمرضى داخل قسم الإسعاف والطوارئ حاثهم على الالتزام بالكمامات وارتداء القفازات والتباعد الاجتماعي.  

طبيب واحد تخصص باطني، واثنين من أطباء الإسعاف والطوارئ في قسم الإسعاف الباطني في مستشفى البشير، يتابعون أكثر من 200 حالة بين متوسطة وشديدة من حالات مرضى الأمراض المزمنة بالإضافة إلى حالات كوفيد-19. 
منوهاً إلى وجود نقص في عدد الكوادر الطبية والتمريضية مما يزيد عبء العمل عليهم، وعدم القدرة على فحص الأعداد الكبيرة من المرضى لديهم. 

ولفت أبو السعود أن مَن يعاني من  المرضى نقص الأكسجين أقل من 80% يتم محاولة تأمين الأكسجين لهم، وذلك لعدم توفر الاسرّة الكافية للجميع، مشيرا إلى وجود نقص في عدد الأجهزة بحيث لا يوجد سوى جهازين للضغط فقط وأحدهما لا يعمل بشكل صحيح  في قسم الإسعاف والطوارئ، وجهاز آخر لقياس نسبة الأكسجين لدى المريض، منوهاً إلى عدم توفر اسرّة في قسم الإسعاف الباطني، بحيث يتواجد ما يقارب 9 من الاسرّة فقط. مما يبقى مرضى الأمراض المزمنة من ثلاثة إلى خمسة أيام في انتظار تأمين سرير لهم لإجراء ما يمكن لهم من فحوصات وإدخالهم لغرفة العناية الحثيثة في حال توفر سرير. 

مضيفا إلى دخول ما نسبته من 30% -40% من حالات حرجة مصابة بفيروس كورونا، مصاحبة لالتهاب حاد في الصدر مع بقائهم  في القسم لحين ظهور نتيجة فحصهم، مما قد يؤدي إلى اختلاطهم مع المرضى الآخرين، بالتالي نقل العدوى لهم في حال ثبتت إصابتهم بالفيروس. وأشار أن "الوضع مأساوي، والمسؤولية تزداد على عاتقنا، نتمنى أن يتم فصل مرضى الكورونا وعمل مستشفى ميداني لحماية صحة مرضى الأمراض المزمنة الأخرى من إصابتهم بفيروس كورونا".

 عزل مرضى كوفيد- 19 عن الحالات المزمنة 

من جانبه يقول طبيب باطني في مستشفى البشير رفض ذكر اسمه، أن الوضع الحالي في البشير يتأزم نتيجة عدم  فصل الحالات الصدرية وفيروس كورونا عن الحالات العادية سواء في الطوارئ أو الأقسام الأخرى. بالإضافة إلى عدم فصل الكادر الطبي الذي يعالج حالات الكورونا عن الحالات العادية، ففي حال إصابة أحد منهم من الممكن أن ينقل العدوى للمرضى الآخرين الذين لا يعانون من هذا المرض. 
 وطالب الطبيب بزيادة الكوادر الطبية سواء أخصائيين من باطنية وصدرية وجهاز تنفسي وتخدير وإنعاش وممرضين، وإنشاء قسم لمصابي الكورونا بغرف عزل منفصلة عن الأقسام الأخرى، وعدم استقبالهم في قسم الطوارئ ويكون  لهم قسم طوارئ خاص للأمراض التنفسية. 

قانون الصحة العامة يُلزم الحكومة بعلاج الأوبئة

توتر وإرهاق وضغط في العمل، هذا ما لمسناه لوضع الأطباء والممرضين خلال زيارتنا لقسم الطوارئ في مستشفى البشير، فلا التزام من قبل المرضى باتباع إجراءات السلامة العامة، ولا وجود للعناصر الأمنية لمساعدة الأطباء داخل القسم على التنظيم. ناهيك عن اختلاط مرضى الكورونا مع مصابي الأمراض المزمنة الأخرى، مما يزيد من احتمالية الإصابة بالفيروس من قبل مخالطيهم داخل القسم. 

يلزم قانون الصحة العامة الحكومة بتأمين علاج الأوبئة للمواطنين، وهو ما أدى إلى رفض شركات التأمين منذ البداية لتغطية علاج مصابي كورونا، بالتالي هذا الوباء غير مشمول في التأمين الصحي، وهو ما يزيد الأمر تعقيدا لدى المواطنين من المصابين به، لعدم قدرتهم على الدخول للمستشفيات الخاصة.   

إرباك وإهمال في مستشفى البشير

 يوضح نائب مدير مستشفى البشير، الدكتور جمال حمدان، أن أعداد استقبال الحالات المرضية على اختلافها كبيرة، وما نعانيه بسبب ذلك هو نقص الكوادر الطبية، فهناك أكثر من 100 مصاب بين الكوادر الطبية والتمريضية بفيروس كورونا.

وبيّن حمدان الآلية التي يتم التعامل بها لاستقبال الحالات على اختلاف سيرتها المرضية، مشيراً إلى دخول المريض إلى الطوارئ، في حالة إصابته بأعراض شبيهة لأعراض الكورونا، يتم سحب عينات لجميع المتواجدين داخل القسم وترسل للمختبر، لتظهر النتيجة بصفة مستعجلة خلال 4 ساعات، لكن خلال هذه الفترة لا بدّ أن يحدث اختلاط لحين ظهور النتيجة، وبعد ظهورها إن كانت إيجابية يتم تحويل المريض لقسم الصدرية وعزله لينقل فيما بعد لمستشفى الخاص بمرضى الكورونا.  

وختم حمدان حديثه، في أن الحل للاكتظاظ والإهمال في بعض الأقسام الذي يحدث في مستشفى البشير بناء مبنى خاص لقسم الطوارئ، مع زيادة الكوادر الطبية والتمريضية المدربة والمؤهلة للعمل في هذا الجانب. 

حياة اف ام بدورها حاولت التواصل مع وزير الصحة الدكتور نذير عبيدات، لتوضيح بعض النقاط المتعلقة حول دور وزارة الصحة في حل مشكلة الاكتظاظ واختلاط مصابي فيروس كورونا مع غيرهم من الأمراض العادية في قسم الطوارئ، وحالة الإرباك العام داخل مستشفيات البشير، لكن لحين كتابتنا لهذه السطور لم تتم الاستجابة من قبل وزير الصحة.

المصدر: حياة اف ام

تعليقات القراء

تعليقات القراء