"عيد ميلاد مجيد"

"عيد ميلاد مجيد"
2018-12-25
ياسين بني ياسين
إسراء زيادنة

سما الاردن | هذه الأيام تَغمُرُ نفوسنا مشاعر دافئة، وتَعمُرُ قلوبنا أحاسيس بهيجة، ونحن نبارك لإخوتنا المسيحيين ما هم فيه من فرحة، ونشاركهم عيدهم، الذي هو عيد لنا جميعا، أبناءَ وطن واحد، إخوةً في الدم والهدف والمصير المشترك والمستقبل الواحد الواعد؛ إخوةً متحابين، متكافلين، متضامِّين، متضامنين، متحدين في وجه كل الإحن والمحن والتحديات، أياًّ كان مصدرها. أجل! نحن إخوة، بإذن الله، كَتِفًا على كَتِفٍ، في سبيل رفعة الوطن كله، وتقدمه، وإعلاء شأنه، رغم كل الصعوبات، ومهما كان حجمها.

كل عام وأتباع المسيح من هذه الأمة (وكل من سار على درب المسيح: درب المحبة والأخوة والسلام) بكل خير. كل عام والوطن الحبيب بألف خير. كل عام والأمة كلها، بكل من فيها وكل ما فيها، بألف ألف خير.

أسأل الله العلي الأعلى أن يبارك هذه المناسبة (عيد الميلاد المجيد) وكل مناسباتنا، وأن يعيدها، سبحانه وتعالى، على هذا الوطن المُفَدّى، وقد حقق أبناؤه كل ما يصبون إليه من أمنٍ وسعادة واستقرار وعيش هانىء.

وأسأله، جل شأنه، أن يُنعِمَ على هذه الأمة، بكافة أطيافها وطوائفها ومكوناتها وأعراقها وألوانها، بالسلام والاستقرار ووحدة الكلمة والتئام الشمل ومنعة الصفِّ.

وأسأله، جل في علاه، أن يصرف عن هذه الأمة شر شذاذ الآفاق، بني صهيون، وشر كل من والاهم أو مالأهم، وشر كل من لَفَّ لفَّهم، وأن يرد كيدهم جميعا إلى نحورهم، وأن يجعل بأسهم بينهم شديدا.

وأسأل الله العون والسند لشعب فلسطين الحبيبة، ولشعب سوريا الصابرة الصامدة في وجه كل قوى الشر والاستبداد والطغيان والاستعمار المتواطىء المتآمر مع الصهيونية العالمية وكذلك، يا ربِّ، أسألك العون والسند لشعب العراق وشعب اليمن، وكل شعوب هذه الأمة، وكل من أراد بها ولها خيرا، يا ربَّ العالمين.

في هذه المناسبة السعيدة، وفي كل مناسباتنا، سنبقى إخوة، بعون الله وبمشيئته، إذ هكذا عَلِمْنا من التاريخ وتعلمنا، وهكذا تعلمنا من الواقع الذي نعيش، وهكذا تعلمنا من الجغرافيا في كل بقعة وُجِدنا سويَّةً فيها، يدًا قويةً بيدٍ قوية وقلباً سليماً على قلبٍ سليم، نواجه كل من أراد بنا سوءا، دون النظر إلى لونه أو عرقه أو انتمائه أو دينه.

وليس هنا أجمل مِنْ أن أستشهد بشيء مما قاله الشاعر اللبناني المسيحي الكبير بشارة الخوري (الأخطل الصغير) وهو يتحدث عن وَحْدة الماضي والحاضر والمستقبل، وَوَحْدة الصف والهدف والمصير، لمسلمي هذه الأمة ونصاراها سواء بسواء، إذ يقول، مخاطبا فلسطين العروبة:

يا فلسطينُ التي كِدنا لما

كابدته من أسى ننسى أسانا

نحن با أختُ على العهدِ الذي

قد رضعناه من المهد كلانا

يثربٌ والقدسُ منذ احتلما

قِبلتانا وهوى العُربِ هوانا

والشواهد على الألفة والمودة والمحبة والأُخُوَّة بين مسلمي هذه الأمة ومسيحييها أكثر من أن تُعَدَّ على أي مِعداد، وأكبر من أن تقاس بأي مقياس. والمسيحيون الذين قدموا أنفسهم، وبذلوا جهدهم، ووظفوا فكرهم، وسخَّروا إمكاناتهم، وضحَّوا بدمائهم لخدمة هذه المشاعر الأخوية النبيلة، وتوثيق هذه العلاقات العربية المتينة، وضخ الدم في عروق العروبة بكل الوسائل والسبل، أجلُّ من أن يحيط بهم حصر.

وما أبلغَ وصف الحق، عز وجل، لهذه العلاقة بين أتباع الديانتين، وأدقَّهُ، إذ يقول في كتابه العزيز: "لتَجِدَنَّ أشدَّ الناس عداوةً لِلَّذينَ آمنوا اليهودَ والَّذِينَ أشركوا ولتَجِدَنَّ أقربَهُمْ مودَّةً لِلَّذِينَ آمنُوا الذين قَالُوا إنَّا نَصارَى ذلك بأنَّ منهم قِسِّيسينَ ورُهبانًا وأنَّهُم لا يَسْتَكْبِرُون (٨٢) (سورة المائدة).

فما أحرى بنا - بعون الله لنا وتأييد منه، وبفكرنا المتفتح، وعقولنا المنفتحة على كل ما هو خير لنا - أن نظل هكذا على الدوام في هذا الوطن، من أقصاه إلى أقصاه، طائرا يحمل أحدُ جناحيه هلالاً ويحمل جناحُه الآخرُ صليباً، لا يهمُّ أيُّهما الأيمنُ وأيُّهما الأيسرُ، ما دامت خوافي هذا الطائر وقوادمُه تعينه على التحليق والعلو والسمو والرفعة، وما دام ذلك يمكنه من أن ينشر بهما الألفة والمحبة والوحدة (وبالتالي "القوة" و"المنعة" ) بجنان ثابت، وقلب جسور، ونية حسنة، وإحساس أخوي ثابت صادق.

وسلام على صاحب العيد الذي له في نفوس كل المسلمين المكانة الخاصة التي هي من صلب عقيدتهم وجوهرها. سلام عليه يوم ولد، ويوم يموت، ويوم يبعث حيا. ورحم الله أمير الشعراء أحمد شوقي الذي قال فيه، عليه السلام:

   عيسى سبيلُك رحمةٌ ومحبةٌ

 في العالمين وعصمةٌ وسلامُ

ما كنتَ سفاكَ الدماء ولا امرَءًا

هان الضعافُ عليه والأيتامُ

يا حامل الآلامِ عن هذا الورى

كثرتْ عليه باسمِكَ الآلامُ

وصدق الله العظيم الذي يُنْزِل صاحب الذكرى منزلة عظيمة، فيها من البركة والتشريف ما يعجَزُ الإنسان عن تقديره أو الإحاطة به، إذ يقول، سبحانه وتعالى:  "وَجَعلَني مُبَاركًا أَيْنَمَا كُنْتُ وأوْصَانِي بالصَّلاةِ والزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيََّا (٣١) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارََا شقيََّا (٣٢) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ ويوم أُبْعَثُ حَيََّا (٣٣) ذلِكَ عِيسى بْنُ مَرْيمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (٣٤) (سورة مريم).

"كلَّ عامٍ وأَنْتُمْ جميعاً بخيرٍ - وسنةً جديدةً تحملُ كلَّ بشائرِ الخَيْرِ للجَميع".

تعليقات القراء

تعليقات القراء