العجارمة: تفويض رئيس الوزراء صلاحياته لوزراء دستوري

العجارمة: تفويض رئيس الوزراء صلاحياته لوزراء دستوري
2020-10-23
ن.ب

سما الاردن | قال رئيس ديوان التشريع والرأي السابق نوفان العجارمة إن وجهات النظر التي تتحدث عن عدم دستورية تفويض رئيس الوزراء بشر الخصاونة لبعض صلاحياته لوزراء تتعارض مع أبسط قواعد التفسير فالقصص لا تقرأ من منتصفها، والدساتير لا تفسر نصوصها بمعزل عن بعضها البعض، فهي ليست جزر معزولة لا صلة ولا رابط بينها.

وأضاف العجارمة أن أصحاب وجهة النظر التي تتحدث عن عدم دستورية فعل الخصاونة استندوا على مخالفته بحسبهم لأحكام المادة (45) من الدستور على سند من القول بأن الفقرة (2) من تلك المادة أوجبت أن تعين صلاحيات رئيس الوزراء والوزراء بأنظمة يضعها مجلس الوزراء ويصدق عليها جلالة الملك، وبالتالي لا يجوز ان تتم بقانون أو بتفويض بناء على قانون، ويخلصون إلى القول بعدم دستورية قانون الإدارة العامة الذي أجاز عملية التفويض.

وأوضح العجارمة "من المبادئ المسلم بها فقهاً وقضاءً، مبدأ شخصية العمل، بمعنى أن من أسند إليه اختصاص معين بمقتضى النصوص الدستورية أو القانونية أو بمقتضى الأنظمة، وجب عليه ممارسة هذا الاختصاص بنفسه، باعتبار أن هذه الممارسة تمثل واجبا قانونيا عليه وليس حقا له يجوز أن يعهد به إلى غيره. إلا أن التطبيق الجامد لمثل هذا المبدأ قد يؤدي في الواقع إلى إعاقة العمل الإداري وطبعه بالنمطية أو الروتين ويجعله بالتالي غير متلائم مع الاتساع والنمو الإداري المواكب لإتساع ونمو نشاط الدولة في مختلف المجالات. من هنا كان التفويض في الاختصاصات الإدارية عنصراَ فعالاً للتخفيف من غلو وجمود هذا المبدأ".

وشدد على أن التفويض يتم "بان يعهد صاحب الاختصاص الأصيل بممارسة جانب من اختصاصاته سواء في مسألة معينة أو في نوع معين من المسائل إلى أحد مرؤوسيه، وذلك استنادا إلى نص قانوني يجيز له ذلك، فالتفويض إذن لا يجوز إلا بنص قانوني ولهذا يجب أن يكون واضحا ومحددا ومعلنا، ويستمد المفوض إليه صلاحيته بممارسة الاختصاص من القرار الصادر - عن الأصيل- بالتفويض، لذلك يتوجب على المفوض إليه الالتزام في حدود ونطاق هذا التفويض وبخلاف ذلك فان قرار المفوض إليه يُعد فاقداً لمشروعيته لصدوره ممن لا يملك حق في إصداره، فالتفويض باعتباره أحد أشكال التوكيل يشترط لصحته أن يكون محله معلوماً ومحدداً والاّ اعتبر باطلاً".

ولفت إلى أن "التفويض لا يتناول كافة اختصاصات الأصيل، بل جزء منها، وإلا عد ذلك تنازلا من جانبه عن وظيفته وهو أمر غير جائز قانونا".


وأشار "يشترط في النص الآذن بالتفويض ألا تقل قوته الإلزامية عن مرتبة النص الذي يقرر الاختصاص الذي يريد صاحبه التفويض فيه، أي أن يكون بنص من قوة النص الذي قرر الاختصاص أصلا، وليس بنص أقل منه درجة، فالاختصاص الذي يتقرر بنص دستوري لا يجوز التفويض فيه إلا بنص دستوري، والاختصاص الذي يتقرر بنص قانوني أو تشريع عادي لا يجوز التفويض فيه، إلا بقانون أو بنص دستوري".

وأوضح العجارمة أنه من حيث النص القانوني يجاز لرئيس الوزراء تفويض جانب من اختصاصاته: بالرجوع الى احكام الفقرة (أ) من المادة (6) من قانون الإدارة العامة رقم (10) لسنة 1965 نجدها تنص على ما يلي:

1. لرئيس الوزراء ان يفوض أيا من نوابه أو اي وزير اي صلاحية من صلاحياته المنصوص عليها في اي قانون او نظام باستثناء الصلاحيات الممنوحة له بمقتضى أحكام الدستور.

2. لمجلس الوزراء، في حالات خاصة ومبررة، أن يعهد ببعض الصلاحيات المخولة للوزراء بموجب القوانين والأنظمة إلى الأمناء العامين للوزارات أو رؤساء الهيئات أو المؤسسات الرسمية العامة أو المؤسسات العامة وذلك بناء على تنسيب الوزير المختص.

3. للوزير ومن في رتبته أن يفوض أيا من الصلاحيات المخولة إليه بمقتضى القوانين والأنظمة إلى الأمين العام أو إلى أي من كبار موظفي الدائرة في المركز أو المحافظات والألوية.

4. للأمين العام ومن في رتبته أن يفوض أيا من الصلاحيات المخولة إليه بمقتضى القوانين والأنظمة إلى أي من كبار موظفي الدائرة في المركز أو المحافظات أو الألوية، ولا يكون التفويض نافذا إلا بعد تصديق الوزير عليه.

5. يجب أن يكون التفويض المنصوص عليه في هذه الفقرة خطيا ومحددا ويعمل به بعد نشره في الجريدة الرسمية.

وتطبيق نص هذه المادة على تفويض الاختصاصات الصادر عن دولة رئيس الوزراء نجده يتفق وأحكام القانون ولا يخالفه وللاسباب التالية:
· التفويض صادر من صاحب الاختصاص (هو رئيس الوزراء) إلى الوزراء وليس لأي شخص آخر.

· التفويض انصب على بعض (وليس كل) صلاحيات رئيس الوزراء الواردة في القوانين والأنظمة ولم تتناول او تتطرق الى صلاحية رئيس الوزراء الواردة في الدستور.

· التفويض كان محدداً من حيث موضعه (موضوعات محصورة على وجه الدقة) وكان خطياً أيضا وقد تم نشره في الجريدة الرسمية.

· إن النص الذي أجاز التفويض هو نص المادة (6) من قانون الإدارة العامة وهو من نفس مرتبة النص الذي قرر الاختصاص لدولة الرئيس (وهي القوانين المختلفة)، بل واعلى منها درجة بالنسبة لاختصاصات دولة الرئيس الواردة في الأنظمة.


وأوضح العجارمة ان قانون الإدارة العامة رقم (10) لسنة 1965 هو قانون نافذ وملزم لكافة الجهات بالدولة ورئيس الوزراء والوزراء مكلفون بتنفيذ احكام هذا القانون، والأصل في النصوص التشريعية هو حملها على قرينة الدستورية بافتراض مطابقتها للدستور، ومن ثم لا يجوز أن يكون سريانها متراخياً، بل يكون إنفاذها، واعتباراً من تاريخ العمل بها لازماً. ولا يجوز بالتالي أن يكون مجرد الطعن عليها او الشكوى منها موقفاً لأحكامها، أو مانعاً من فرضها على المخاطبين بها، وذلك أن إبطالها لا يكون إلا بقرار من المحكمة الدستورية إذا ما قام لديها الدليل على مخالفتها للدستور، وهذا يوجب على الجهة التي تفحص دستوريتها أن تضع في اعتبارها ألا تقضي بعدم الدستورية إلا إذا كان التعارض بين النص التشريعي المطعون فيه والدستور تعارضاً واضحاً وصريحاً وقاطعاً بحيث ينعدم معه السبيل إلى التوفيق بينهما، بحيث لا يبقى مجالاً للشك في احتمال عدم دستورية هذا القانون.

العجارمة بين أن النصوص الدستورية يجب أن تفسر بالنظر إليها باعتبارها وحدة واحدة يكمل بعضها بعضاً، بحيث لا يفسر أي نص منها بمعزل عن النصوص الأخرى ، بل يجب أن يكون تفسيره متسانداً بما يقيم بينها التوافق والنأي بها عن التعارض، فالأصل في النصوص الدستورية أنها تعمل في إطار وحدة عضوية تجعل من أحكامها نسيجا متآلفا مؤداه أن يكون لكل نص منها مضمون محدد يستقل به عن غيره من النصوص استقلالاً لا يعزلها عن بعضها البعض، وإنما يقيم منها في مجموعها ذلك البنيان الذي يعكس ما ارتأته الإرادة الشعبية أقوَم لدعم مصالحها في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا يجوز بالتالي أن تفسر النصوص الدستورية بما يبتعد بها عن الغاية النهائية المقصودة منها ولا أن ينظر إليها بوصفها هائمة في الفراغ، أو باعتبارها قيما مثالية منفصلة عن محيطها الاجتماعي. لذلك لا يجوز لنا أن نفرد حكماً خاصاً للمادة (45/2) من الدستور وبشكل يعزلها عن باقي نصوص الدستور.

ولقد بين المشرع الدستوري الأردني في عشرات النصوص بأن كثير من المسائل يجب ان تنظم (بموجب قانون) أو (بناء على قانون) أو (وفق أحكام القانون) او (في الاحوال المبينة في القانون) أو (حسبما يعين في القانون) او (ضمن حدود القانون) أو (بالكيفية والشروط التي يعينها القانون) ...الخ، وقد صدرت مئات التشريعات ومنذ تأسيس الدولة الأردنية والتي منحت بموجبها كل من رئيس الوزراء والوزراء بعض الاختصاصات، وكلها جاءت تنفيذا لأحكام الدستور فهل يعقل ان تخالف هذه الاختصاصات أحكام الدستور وتحديدا الفقرة (2) من المادة (45) منه ؟؟ .

ولفت إلى ان نص الفقرة (1) من المادة (45) من ذات الدستور منح مجلس الوزراء الولاية العامة في إدارة شؤون الدولة بالقول (يتولى مجلس الوزراء مسؤولية إدارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية باستثناء ما قد عهد او يعهد به من تلك الشؤون بموجب هذا الدستور أو اي قانون إلى أي شخص او هيئة أخرى))، وبالتالي أجازت تلك الفقرة منح الاختصاص بموجب القانون لأي جهة أخرى بما في ذلك الوزراء، وهذا ما تم بالفعل بالتشريعات المختلفة (من تربية وتعليم عالي وصناعة وتجارة وزراعة وطاقة ونقل واتصالات .... الخ ).
وقال إن نص الفقرة (2) من المادة (45) من الدستور والتي جاءت بالقول: (تعين صلاحيات رئيس الوزراء والوزراء ومجلس الوزراء بأنظمة يضعها مجلس الوزراء ويصدق عليها الملك) لا تعني لا من قريب أو من بعيد حصر او تحديد تلك الصلاحيات بموجب نظام او أنظمة يضعها مجلس الوزراء، وبالتالي يتعذر على المشرع تناول هذا الامر، لأن القول بخلاف ذلك يؤدي الى نتائج غير منطقية قانونيا وغير مقبولة سياسياً لأن تحديد الاختصاصات من قبل المشرع هو نوع من الرقابة المسبقة على أعمال السلطة التنفيذية، فهو الذي يحدد الاختصاص وشروطه ونطاقة وكيفية ممارسته، وبالتالي فان القول بان المشرع لا يملك ذلك ، وان الحكومة هي من تحدد اختصاصها بنفسها دون معقب عليها ، رأي محل نظر كبير ، ولا يتوافق وطبيعة النظام البرلماني من أساسه .

وختم علاوة على ما تقدم، ان أحكام الفقرة (2) من المادة (45) مطبقة على أرض الواقع وبما يتوافق وأحكام الدستور، فهناك العديد من الأنظمة المستقلة التي حددت صلاحيات كل من مجلس الوزراء أو رئيس الوزراء او الوزراء: كنظام الخدمة المدنية والمشتريات الحكومية والاشغال العامة، إضافة الى العشرات من الأنظمة التنفيذية التي صدرت تنفيذا لأحكام القوانين المختلفة. هذا بالإضافة الى الصلاحيات المنصوص عليها في القوانين المختلفة.

تعليقات القراء

تعليقات القراء